الإجابة
الحمد لله
أولًا:
إن الاختلاف بين القراءات القرآنية، هو اختلاف تنوع وتغاير، لا اختلاف تضاد وتناقض .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده؛ بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا ...
فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى : كلها حق. وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى ، بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ، ظنا أن ذلك تعارض" انتهى من " مجموع الفتاوى" (13/ 393).
وتعدد القراءات يستفاد منه تعدد المعاني، إذ كل قراءة زادت معنى جديدًا ، لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية .
والاختلاف والتنوع في القراءات القرآنية : يشبه إلى حدٍ كبير ظاهرة تكرار القصص القرآني، فكل آية أو واقعة ، تبين معنى جديدًا لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة .
ويمكن مراجعة هذا الرابط، ففيه بحث طويل حول المسألة: https://goo.gl/TKUTXC
ثانيًا :
قال "الطبري" في "جامع البيان" (3/ 179) : " وَأَمَّا الطَّعَامُ : فَإِنَّهُ مُضَافٌ إِلَى الْمِسْكِينِ .
وَالْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ :
فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِتَوْحِيدِ الْمِسْكِينِ ، بِمَعْنَى : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ ، لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ ... وَعَلَى ذَلِكَ عُظْمُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِجَمْعِ الْمَسَاكِينِ : ( فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) ؛ بِمَعْنَى : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ، عَنِ الشَّهْرِ ، إِذَا أَفْطَرَ الشَّهْرَ كُلَّهُ " انتهى .
وقال "السمين الحلبي" في "الدر المصون" (2/ 275) : " ومَنْ جمع "مساكين" : فلمقابلةِ الجمع بالجمعِ .
ومَنْ أَفْرَدَ : فعلى مراعاةِ إفرادِ العمومِ ، أي : وعلى كلِّ واحدٍ مِمَّن يُطيق الصومَ ، لكلِّ يوم يُفْطِرُه: إطعامُ مسكين .
ونظيرهُ: والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور: 4] "، انتهى .
وقال الطاهر ابن عاشور، في "التحرير والتنوير" : " وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر (مساكين) بصيغة الجمع جمع مسكين ، وقرأه الباقون بصيغة المفرد .
والإجماع : على أن الواجب إطعام مسكين .
فقراءة الجمع : مبنية على اعتبار جمع الذين يطيقونه ، من مقابلة الجمع بالجمع ، مثل ركب الناس دوابهم .
وقراءة الإفراد : اعتبار بالواجب على آحاد المفطرين " انتهى (2/ 167).
والحاصل:
أنه لا تعارض بين القراءتين، ولا تناقض بينهما، بحمد الله.
بل قراءة الإفراد ( مسكين ) : يراد بها : إطعام مسكين واحد ، عن كل يوم يفطره الصائم.
وقراءة الجمع ( مساكين ) : يراد بها أحد وجهين:
الأول: أن من أفطر الشهر كله ، أو أياما عددا منه ، أطعم ( مساكين ) ، بعدد ما أفطره من الأيام.
والثاني: فلانا أفطر، وفلانا أفطر، وفلانا أفطر؛ هؤلاء ( الجمع ) ، ممن أفطروا ؛ يلزمهم أن يطعموا ( جمعا ) أيضا، من ( المساكين )؛ فكل واحد منهم إذا أطعم مسكينا ، تحصل لنا إطعام جمع من المساكين.
والله أعلم .