الفتاوى

قوله تعالى : (أو كانوا غزىً)، وإثبات الغزوات
عندنا رجل ينكر الغزوات ، ويقول : كلمة غزوة لم تأتِ في القرآن إطلاقا ، ويقول : آيه آل عمران : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى) غزى في اللغة بمعنى : سار ليلا ، أنا أعلم أنه يكذب ، وأن هذا ليس موجودا في اللغة أصلا ، ولكن كل ما أريده تزويدي ببيان يحتوي على معنى كلمة غزى في جميع المعاجم والقواميس الموجوده لديكم ؛ لأبين كذبه ، وأبين لمستمعيه أنه يكذب ، وأن هذا المعنى (سار ليلا) ليس موجودا ، ولا حتى على سبيل الخلاف الشاذ في أي معجم أو قاموس .

الإجابة

الحمد لله 

أولًا :

إنكار الغزوات هو إنكار ما نقل إلينا نقلا ضروريا مقطوعا به، لا يرتاب فيه أحد ، ولا يتشكك فيه .

وهذا الإنكار ينادي على صاحبه بالجهل ، وأنه غير أهل لأن يجادل أو يناقش، فهو ينكر الأمور المقطوع بها ، التي لم يختلف فيها أحد من العالمين، لا المسلمين، ولا الكافرين!!

أفلم يقرأ شيئا في التواريخ، والسير ، والأخبار .... ؟؟

وهب أن لفظ غزوة لم يرد في القرآن ، فكيف ينكر الآيات المصرحة بالقتال ، والحرب ، ولقاء الكافرين .

قال الله :  وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  آل عمران/ 121 .

وقال :   لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ  التوبة/ 25 .

وقال :  فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  سورة محمد/ 4 - 7 .

واقرأ سورة آل عمران، وسورة الأنفال، وسورة التوبة، بل اقرأ في القرآن كله تجد أن الله تعالى يذكر الغزوات ، وإن لم يكن بهذا اللفظ .

ثانيًا :

ذكر العلماء أن قوله تعالى :  أَوْ كَانُوا غُزًّى  آل عمران/156 ، جمع غازٍ .

يعني : " أَوْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ غَزَاةً، فَهَلَكُوا ، فَمَاتُوا فِي سَفَرِهِمْ، أَوْ قُتِلُوا فِي غَزْوِهِمْ "، انظر : "

تفسير الطبري "(6/ 175).

قال "الواحدي" في "البسيط" (6/ 107-108) : " وقوله تعالى: أَوْ كَانُوا غُزًّى (الغُزَّى): جمع (غازٍ)؛ مثل: (شاهِدٍ، وشُهَّد)، و (نائِم ونُوَّم)، و (صائِمٍ وصُوَّم)، و (قائلٍ وقُوَّل). ومثله من الناقص: (عَافٍ وعُفًّى . ويجوز (غُزَاة)؛ مثل: (قُضَاة)، و (دُعَاة)، و (رُمَاة). ويجوز (غُزَّاء) مثل: (حُرَّاب)، و (ضُرَّاب) .

ومعنى (الغَزْوِ) -في كلام العرب-: قَصْدُ العَدُوِّ. و (المَغْزَى): المَقْصد.

روى عَمْرُو عن أبيه: (الغَزْوُ): القَصْد. و-كذلك- (الغَوْزُ). و (قد غَزَاه، وغَازَه, غَزْوًا، وغَوْزًا): إذا قَصَدَه.

قال الأزهري : ويقال لِجَمْعٍ (الغَازِي): (غَزِيٌّ)؛ مثل: (نَاجٍ، ونَجِيٍّ)؛ للقوم يَتَناجَوْنَ، وأنشد لِزِياد الأعجم:

قُلْ لِلْقَوافِلِ والغَزِيِّ إذا غَزَوْا ... والباكِرِينَ ولِلْمُجِدِّ الرَائحِ "، انتهى .

وقال "القرطبي" في "الجامع" (4/ 264) : " (أَوْ كانُوا غُزًّى) : غُزَاةً ، فَقُتِلُوا.

وَالْغُزَّى جَمْعٌ مَنْقُوصٌ ، لَا يَتَغَيَّرُ لَفْظُهَا فِي رَفْعٍ وَخَفْضٍ، وَاحِدُهُمْ غَازٍ، كَرَاكِعٍ وَرُكَّعٍ، وَصَائِمٍ وَصُوَّمٍ، وَنَائِمٍ وَنُوَّمٍ، وَشَاهِدٍ وَشُهَّدٍ، وَغَائِبٍ وَغُيَّبٍ.

وَيَجُوزُ فِي الْجَمْعِ : غُزَاةٌ مِثْلَ قُضَاةٍ. وَغُزَّاءُ بِالْمَدِّ مِثْلُ ضُرَّابٍ وَصُوَّامٍ...

 وَالْغَزْوُ : قَصْدُ الشَّيْءِ. وَالْمَغْزَى : الْمَقْصِدُ. وَيُقَالُ فِي النَّسَبِ إِلَى الغزو: غزوي"، انتهى .

ثالثًا :

وأما أهل اللغة ، فقد قال "الأزهري" في "تهذيب اللغة" (8/ 150) : "غزا: قَالَ اللَّيْث: غزوتُ بني فلانٍ ، أغزوهم ، غزواً. والواحدةُ غَزْوَةٌ.

وأغْزَت المرأةُ، فَهِيَ مُغزيةٌ: إِذا غَزَا زَوْجُهَا.

والغُزَّى : على بِنَاء الرُّكَّع ، والسُّجَّدِ. قَالَ الله عزَّ وجلَّ: أَوْ كَانُواْ غُزًّى (آل عمرَان: 156).

والْمغزاةُ: موضعُ الغزْوِ، وَجَمعهَا المغَازِي، وَتَكون المَغازي بمعْنَى غَزَواتٍ، يُقَال: غَزَوْتُ مَغْزًى" ، انتهى.

وانظر : "لسان العرب" (15/ 124)، و"تاج العروس" (39/ 159).

رابعًا :

جاء في "اللؤلؤ المكنون" ، في "السيرة" للعازمي (2/ 277) :

" روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي إسحاق قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم ، فقيل له: كم غزا النبي -صلى الله عليه وسلم- من غزوة؟ قال: تسع عشرة.

قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة.

قلت: فأيهم كانت أول؟ قال: العسيرة، أو العشير، فذكرت لقتادة فقال: العشيرة .

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - قال: غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمان منهن .

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: لعل بريدة أراد بقوله: قاتل في ثمان : إسقاط غزوة الفتح، ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا، كما قاله الشافعي وموافقوه .

* الغزوات الكبار التي نزل فيها القرآن:

أما الغزوات الكبار الأمهات فهن سبع: بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، والفتح، وحنين، وتبوك.

وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن:

1 - ففي غزوة بدر: نزل كثير من سورة الأنفال.

2 - وفي غزوة أحد: نزل آخر آل عمران من قوله تعالى: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال... إلى قبيل آخرها بيسير.

3 - وفي قصة الخندق وقريظة: نزل صدر سورة الأحزاب.

4 - وفي قصة الحديبية : وخيبر نزل سورة الفتح ، وأشير فيها إلى فتح مكة.

5 - وذكر فتح مكة في سورة النصر.

6 - وفي غزوة حنين نزل آيات من سورة التوبة .

7 - وفي غزوة تبوك نزل سورة التوبة .

وليس معنى هذا أن القرآن لم ينزل إلا في هذه الغزوات السبع، بل نزل القرآن في غير هذه الغزوات، مثل: غزوة بني النضير، ونزول سورة الحشر فيها ، وغيرها.

وجرح - صلى الله عليه وسلم - من هذه الغزوات في غزوة أحد فقط.

وقاتلت معه الملائكة منها في بدر، وحنين ، وأحد على خلاف في الثانية والثالثة ...

ونزلت الملائكة يوم الخندق ، فزلزلوا المشركين وهزموهم، ورمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحصباء في وجوه المشركين فهربوا.

فكان الفتح في غزوتين، بدر وحنين، وقاتل بالمنجنيق في غزوة واحدة، وهي الطائف، وتحصن بالخندق في غزوة واحدة هي الأحزاب، أشار به عليه سلمان الفارسي -رضي الله عنه- "، انتهى .

والله أعلم.

Icon