الفتاوى

هل كان قيام الليل والأضحية من الفرائض في حق النبي صلى الله عليه وسلم ؟
كنت أتأمل قليلا في القرآن الكريم ولاحظت في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) ، و"قم" فعل أمر، فهل فرض الله قيام الليل على نبيه صلى الله عليه وسلم وجعلها نافلة لعامة المسلمين؟ وكذا في قوله تعالى (فصل لربك وانحر) فهل فرض النحر عليه صلى الله عليه وسلم أيضا؟

الإجابة

الحمد لله 

أولًا:

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وهي: ما تميز به عن أمته من أحكام، على قسمين:

1- خصائص ثابتة له صلى الله عليه وسلم بلا خلاف .

كالجمع بين أكثر من أربع نسوة في النكاح ، وإباحة النكاح له بالهبة، وحِلّ المرأة بتزويج الله له.

2- خصائص مختلف فيها بين العلماء ، ومنها ما ذكر في السؤال .

ثانيًا:

أما قيام الليل، فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" : " اختلف العلماء في قيام الليل، هل كان فرضا عليه صلوات الله وسلامه عليه أو لم يكن فرضا، مع اتفاقهم على عدم فرضيته على الأمة:

فذهب عبد الله بن عباس إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختص بافتراض قيام الليل عليه، وتابع ابن عباس على ذلك كثير من أهل العلم، منهم الشافعي في أحد قوليه، وكثير من المالكية، ورجحه الطبري في تفسيره.

واستُدل على ذلك بقوله تعالى في سورة الإسراء: ومن الليل فتهجد به نافلة لك؛ أي نفلا لك، أي فضلا: (زيادة) عن فرائضك التي فرضتها عليك، كما يدل على ذلك قوله تعالى: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه .

قال الطبري: " خيره الله تعالى ، حين فرض عليه قيام الليل ، بين هذه المنازل ".

ويعضد هذا ويؤيده : ما رواه الطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث هن علي فرائض ولكم سنة؛ الوتر ، والسواك ، وقيام الليل ) .

وذهب مجاهد بن جبر : إلى أن قيام الليل ليس بفرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل هو نافلة، وإنما قال الله تعالى: نافلة لك من أجل أنه صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل ، سوى المكتوبة : فهو نافلة؛ لأنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نافلة ، وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوبة لتكفير ذنوبهم ، فليس للناس - في الحقيقة - نوافل.

وتبع مجاهدا جماعة من العلماء، منهم الشافعي في قوله الآخر، فقد نص على أن وجوب قيام الليل قد نسخ في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما نسخ في حق غيره.

واستدلوا على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات فرضهن الله على العباد ، خاصة أن الآية محتملة، والحديث الذي استدل به من قال بفرضية قيام الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم : حديث ضعيف" "الموسوعة الفقهية الكويتية" (2/ 258) .

وانظر للفائدة: "زاد المعاد" لابن القيم (1/311-313).

وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله:

"هل قيام الليل واجب في حق النبي- صلى الله عليه وسلم- ومستحب في حق أمته؟".

فأجاب:

"الصحيح أنه سُنَّة ونافلة في حق النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي حق أمته، والدليل قوله تعالى:  وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ  والأصل: أن النافلة هي الزائد عن الفرض من التطوع ونحوه، وقد فهم بعضهم أن معنى نافلة لك يعني من خصائصك، وظنوا أنه واجب في حق النبي- صلى الله عليه وسلم- والصحيح أنه سُنَّة، ولأجل ذلك كان يتركه إذا سافر ولا يُحافظ في سفره إلا على الوتر وسُنَّة الفجر، والدليل على السُنَّية: صلاته للتهجد على الراحلة؛ فإن الواجبات لا تُصلى على الراحلة، ومن الدليل أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يترك قيام الليل أحيانًا لمرض أو تعب أو سهر ثم يقضيه من الضحى"  انتهى.

http://www.ibn-jebreen.com/fatwa/vmasal-4134-.html

ثالثًا:

وأما بالنسبة للأضحية : فقد استدل القائلون بوجوب الأضحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله تعالى: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) .

وقد رد على ذلك ابن طولون، بعد أن سرد اختلاف المفسرين في تفسير الآية الكريمة، بقوله:

" فعلى هذا ليس في الآية دلالة ، من وجهين:

أحدهما: أن غالب أئمة التفسير، ذهبوا إلى أنه ليس المراد نحر الأضحية.

وثانيهما: على تقدير صحة القول بأن الصلاة صلاة يوم العيد، والنحر: الأضحية، فلفظ الأمر ينصرف من الوجوب إلى الندب بالقرينة، ومن القرينة: ذكر الأضحية مع الصلاة، ولم يقل أحد بوجوب صلاة العيد على النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك الأضحية"، مرشد المحتار إلى خصائص المختار، لابن طولون ص 72.

وأما حديث "ثلاث هن عليَّ فرائض وهن لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى"، فقد قال ابن الملقن: " لا يصح، فلا أحتج به " انتهى من " التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (8/ 177).

وقال ابن الملقن، رحمه الله أيضا ، في موضع آخر ، لما أورد طرق هذا الحديث ، وبين عللها :

" فتلخص ضعف الحَدِيث من جَمِيع طرقه .

وَحِينَئِذٍ فَفِي ثُبُوت خُصُوصِيَّة هَذِه الثَّلَاثَة بِهِ نظر؛ فَإِن الَّذِي يَنْبَغِي ، وَلَا يعدل إِلَى غَيره : أَن لَا تثبت خُصُوصِيَّة إِلَّا بِدَلِيل صَحِيح " انتهى.

الخلاصة:

أن الخصائص المذكورة مما اختلف فيه السلف ، وأهل العلم ، والخلاف في فرض قيام الليل على النبي صلى الله عليه وسلم : مشهور ، معتبر .

وأما الأضحية : فعدها من الخصائص أضعف ، وأقل شهرة في الرواية، والقول به في السلف.

والله أعلم
 

Icon