الإجابة
الحمد لله
ورد ذكر التابوت في القرآن، في قصة طالوت، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة/246- 248
ويذكر المفسرون أن اسم النبي شمويل، أو إشمويل، وأن طالوت لم يكن من سبط المُلك ولا سبط النبوة ، فلهذا قال بنو إسرائيل: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ .
فبيّن لهم نبيهم أن الله اصطفى طالوت وأعطاه بسطة ، أي زيادة في العلم والجسم ، فكان طويلا جميلا.
وبيّن لهم نبيهم أن آية استحقاق طالوت للملك : رجوع التابوت إليهم .
ولم يبين القرآن من شأن التابوت إلا أن فيه السكينة ، وبقية مما تركه موسى وهارون عليهما السلام، وأن الملائكة تحمله وتأتي به.
واختلف المفسرون في السكينة ما هي، فقيل: ريح، أو دابة كالهرة، أو طست من ذهب، أو روح من الله تكلمهم، أو ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، أو الوقار، أو الرحمة.
وأما البقية مما تركه موسى وهارون، فقيل: رضاض من الألواح وعصى موسى، وقيل عصا موسى وعصا هارون وثيابهما، وقيل غير ذلك.
وقوله: (تحمله الملائكة) قال ابن الجوزي في تفسيره: " وفي المكان الذي حملته منه الملائكة إليهم قولان: أحدهما: أنه كان مرفوعاً مع الملائكة بين السماء والأرض، منذ خرج عن بني إسرائيل، قاله الحسن.
والثاني: أنه كان في الأرض.
وفي أي مكان كان؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه كان في أيدي العمالقة قد دفنوه، قال ابن عباس: أخذ التابوت قوم جالوت، فذفنوه في متبرز لهم، فأخذهم الباسور، فهلكوا، ثم أخذه أهل مدينة أخرى، فأخذهم بلاء، فهلكوا، ثم أخذه غيرهم كذلك، حتى هلكت خمس مدائن، فأخرجوه على بقرتين، ووجهوهما إلى بني إسرائيل، فساقتهما الملائكة.
والثاني: أنه كان في برية التيه، خلّفه فيها يوشع، ولم يعلموا بمكانه حتى جاءت به الملائكة، قاله قتادة.
وفي كيفية مجيء الملائكة به قولان:
أحدهما: أنها جاءت به بأنفسها، قال وهب: قالوا لنبيهم: اجعل لنا وقتاً يأتينا فيه، فقال: الصبح، فلم يناموا ليلتهم، ووافت به الملائكة مع الفجر، فسمعوا حفيف الملائكة تحمله بين السماء والأرض.
والثاني: أن الملائكة جاءت به على عجلة وثورين، ذكر عن وهب أيضاً.
فعلى القول الأول: يكون معنى تحمله: تُقلّه، وعلى الثاني: يكون معنى حملها إياه:
تسببها في حمله.
قوله تعالى: إ(ِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُم)ْ، أي: علامة تدل على تمليك طالوت. قال المفسرون: فلما جاءهم التابوت وأقروا له بالملك، تأهب للخروج، فأسرعوا في طاعته، وخرجوا معه" انتهى من "زاد المسير" (1/ 225).
وليس في السنة ذكر التابوت ، ولا بيان ما كان فيه .
وما يروى عن المفسرين من الصحابة في ذلك ، إن صح عنهم : فالغالب أنه مما تلقوه عن أهل الكتاب .
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله :
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه صلى الله عليه = الذي قال لأمته: ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) = أن فيه سكينة منه، وبقية مما تركه آل موسى وآل هارون.
وجائز أن يكون تلك البقية: العصا، وكسر الألواح، والتوراة، أو بعضها، والنعلين، والثياب، والجهاد في سبيل الله = وجائز أن يكون بعض ذلك .
وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللغة، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم. ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصفة التي وصفنا.
وإذ كان كذلك، فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره، إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول." انتهى من "تفسير الطبري" (5/334) .
وقد ذكرت كتب التفسير تفاصيل كثيرة عن التابوت، وأن الله أنزله على آدم عليه السلام، وأنه تنقل بين الأنبياء حتى كان مع بني إسرئيل، ثم سلب منهم ؛ إلى آخر ما ذكر في ذلك .
وجاء عن ابن عباس: أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية.
ونحن يكفينا القدر الذي ذكره القرآن، وأن التابوت جاءت به الملائكة، وكان علامة على صحة ملك طالوت.
ولا يشغلنا أمر التابوت، ولا البحث عن تفاصيل ذلك، ما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين أمره.
قال الشيخ محمد أبو شهبة رحمه الله: "والذي نقطع به، ويجب الإيمان به: أنه كان في بني إسرائيل تابوت - أي صندوق - من غير بحث في حقيقته، وهيئته، ومن أين جاء، إذ ليس في ذلك خبر صحيح عن المعصوم .
وأن هذا التابوت كان فيه مخلفات من مخلفات موسى وهارون - عليهما السلام - مع احتمال أن يكون تعيين ذلك في بعض ما ذكرنا آنفا .
وأن هذا التابوت كان مصدر سكينة وطمأنينة لبني اسرائيل، ولا سيما عند قتالهم عدوهم، وأنه عاد إلى بني إسرائيل، تحمله الملائكة، من غير بحث في الطريق التي حملته بها الملائكة . وبذلك: كان التابوت آية دالة على صدق طالوت في كونه ملكا عليهم .
وما وراء ذلك من الأخبار التي سمعتها: لم يقم عليها دليل" انظر: "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" (ص243).
ونسوق هنا أمرين يدلان على فضيلة عدم الاشتغال بهذه التفاصيل:
الأول: روى الإمام أحمد (14736) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ ، فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ فَقَالَ : أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي " والحديث حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (6/ 34).
وإذا كان هذا في الكتاب بجملته، فكيف بالاهتمام بتفاصيل قصة من قصصه!
فأهل الإيمان قد أغناهم الله تعالى عن هذه الكتب ، وعن قصصها ، بما أنزله في القرآن وأوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، مما يحتاج إلى بذل الجهد والوقت لتعلمه والانتفاع به، فهم في شغل عن التوراة وقصصها.
وقد ذكرتِ أنك حديثة عهد بإسلام، فينبغي أن يكون اهتمامك بحفظ القرآن الكريم ، وتعلم العلم وتحصيل الفضائل والدرجات.
الثاني: أن الصحابة لما وقفوا على جثة دانيال دفنوه وأخفوا قبره، حتى لا يفتن الناس به؛ لحرصهم على نقاء التوحيد، وتعليق القلوب بربها تبارك وتعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " روينا في مغازي محمد بن إسحاق من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار، حدثنا أبو العالية قال: " لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر رضي الله عنه ، فدعا له كعبا ، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه قراءة ، مثلما أقرأ القرآن هذا .
فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: " سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد ".
قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: " حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان بالليل دفناه، وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس ؛ لا ينبشونه " .
فقلت: ما يرجون منه؟ قال: " كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون ".
فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: " رجل يقال له دانيال " .
فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: " منذ ثلاثمائة سنة ".
قلت: ما كان تغير منه شيء؟ قال: " لا، إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع ".
ففي هذه القصة : ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبره، لئلا يفتتن به الناس، وهو إنكار منهم لذلك" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 199).
والظن بالصحابة أنهم لو وقفوا على التابوت لدفنوه، منعاً من افتتان الناس وتعلقهم به.
وما يقوله بعض اليهود اليوم : إن التابوت موجود تحت المسجد الأقصى، أو تحت قبة الصخرة، هو من جملة أكاذيبهم التي يروجونها في سعيهم لهدم المسجد المبارك ، صانه الله من مكرهم وكيدهم .
والله أعلم.