الإجابة
الحمد لله
قال تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الأعلى/ 1 .
وقال تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) العلق/ 3 .
وقال تعالى :( إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) النساء/ 171 .
وقال تعالى :(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/ 3 .
و"الأعلى" الذي له العلو
المطلق من كل وجه : علو الذات ، وعلو الصفات ، وعلو القهر والغلبة.
و"علو الذات" أي أنه سبحانه عالٍ بذاته على كل الخلق ، مستوٍ على عرشه ، فوق جميع
مخلوقاته .
و"علو الصفات " أنه موصوف بكل كمال ، ومنزه عن كل نقص .
و"علو القهر والغلبة" أنه قد قهر كل شيء وغلبة ، وخضع له كل شيء .
قال ابن القيم رحمه الله :
" أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى ،
وَنَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ ، فلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعُلُوُّ مِنْ سَائِرِ
وُجُوهِ الْعُلُوِّ ; لِأَنَّ الْعُلُوَّ صِفَةُ مَدْحٍ ، فَثَبَتَ أَنَّ لِلَّهِ
تَعَالَى عُلُوَّ الذَّاتِ وَعُلُوَّ الصِّفَاتِ وَعُلُوَّ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ
" انتهى من " اجتماع الجيوش الإسلامية " (2/ 182) .
وقال السعدي رحمه الله :
" العلي الأعلى" : وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه ، علو الذات، وعلو
القدر والصفات ، وعلو القهر ، فهو الذي على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى. وبجميع
صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف ، وإليه فيها المنتهى " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص 946) .
و "الأكرم" ، كثير الكرم ،
واسع الإحسان إلى خلقه ، قال الخطابي رحمه الله :
" هُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ ، لَا يُوَازِيهِ كَرِيمٌ ، وَلَا يُعَادِلُهُ فِيهِ
نَظِيرٌ .." .
انتهى من "الأسماء والصفات" للبيهقي (1/ 148) .
وقال أبو حيان رحمه الله :
" الْأَكْرَمُ صِفَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَرَمِ ، إِذْ كَرَمُهُ
يَزِيدُ عَلَى كُلِّ كَرَمٍ ، يُنْعِمُ بِالنِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى ،
وَيَحْلُمُ عَلَى الْجَانِي ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ
السَّيِّئَةِ " .
انتهى من " البحر المحيط " (10/ 507) .
وليس الكرم خاصا بالإعطاء ،
وإنما "الكرم" في اللغة هو الحسن ، فالله هو "الأكرم" : أي الأحسن والأكمل في صفاته
.
وقال السعدي رحمه الله :
" [الأكرم] أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان ، واسع الجود " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص 930) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"قَوْلُهُ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ
عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) . سَمَّى وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْكَرَمِ ،
وَبِأَنَّهُ الْأَكْرَمُ بَعْدَ إخْبَارِهِ أَنَّهُ ، خَلَقَ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ
يُنْعِمُ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ، وَيُوصِلُهُمْ إلَى الْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ
...
وَلَفْظُ الْكَرَمِ لَفْظٌ جَامِعٌ لِلْمَحَاسِنِ وَالْمَحَامِدِ. لَا يُرَادُ بِهِ
مُجَرَّدَ الْإِعْطَاءِ ، بَلْ الْإِعْطَاءُ مِنْ تَمَامِ مَعْنَاهُ ، فَإِنَّ
الْإِحْسَانَ إلَى الْغَيْرِ تَمَامُ الْمَحَاسِنِ . وَالْكَرَمُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ
، وَيَسْرَتُهُ....
وَالشَّيْءُ الْحَسَنُ الْمَحْمُودُ : يُوصَفُ بِالْكَرْمِ . قَالَ تَعَالَى : (
أَوَلَمْ يَرَوْا إلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)
. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مِنْ كُلِّ جِنْسٍ حَسَنٍ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
الزَّوْجُ : النَّوْعُ ، وَالْكَرِيمُ الْمَحْمُودُ . وَقَالَ غَيْرُهُمَا (مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ) : صِنْفٌ وَضَرْبٌ ، (كَرِيم) حَسَن مِنْ النَّبَاتِ، مِمَّا يَأْكُلُ
النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ. يُقَالُ: " نَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ " إذَا طَابَ حَمْلُهَا ،
و" نَاقَةٌ كَرِيمَةٌ " إذَا كَثُرَ لَبَنُهَا.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ الْأَكْرَمُ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ ،
وَالتَّعْرِيفِ لَهَا ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْأَكْرَمُ وَحْدَهُ ، بِخِلَافِ
مَا لَوْ قَالَ " وَرَبُّك أَكْرَمُ ". فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ .
وَقَوْلُهُ : (الْأَكْرَمُ) يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ. وَلَمْ يَقُلْ " الْأَكْرَمُ
مِنْ كَذَا " ؛ بَلْ أَطْلَقَ الِاسْمَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ الْأَكْرَمُ مُطْلَقًا
، غَيْرَ مُقَيَّدٍ ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِغَايَةِ الْكَرَمِ الَّذِي
لَا شَيْءَ فَوْقَهُ ، وَلَا نَقْصَ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : ثُمَّ قَالَ لَهُ تَعَالَى : ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ ) عَلَى جِهَةَ التَّأْنِيسِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: امْضِ لِمَا أُمِرْت
بِهِ ، وَرَبُّك لَيْسَ كَهَذِهِ الْأَرْبَابِ ، بَلْ هُوَ الْأَكْرَمُ الَّذِي لَا
يَلْحَقُهُ نَقْصٌ ، فَهُوَ يَنْصُرُك وَيُظْهِرُك .
قُلْت : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: " لَا يُهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مَا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ
". أَيْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِالْإِكْرَامِ ، إذْ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ؛ فَهُوَ
الْمُسْتَحِقُّ لَأَنْ يُجَلَّ وَلَأَنْ يُكْرَمَ . وَالْإِجْلَالُ يَتَضَمَّنُ
التَّعْظِيمَ وَالْإِكْرَامُ يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ وَالْمَحَبَّة َ" انتهى من "
مجموع الفتاوى " (16/293- 296) .
و"الإله" يعني المألوه
المعبود ، المستحق للألوهية والعبادة وحده ، وإنما سميت الأوثان آلهة لأن المشركين
يعبدونها من دون الله ، ويزعمون أنها تستحق ذلك، ولفظ الجلالة : "الله" أصل اشتقاقه:
"الإله" ، قال ابن القيم رحمه الله :
" الإله : هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في هذا الاسم جميع
الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن "الله" أصله "الإله" ، كما هو قول
سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم ، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني
الأسماء الحسنى والصفات العلى " انتهى من " بدائع الفوائد " (2/ 249) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الله: عَلَمٌ على الرَّبِّ عزّ وجل ، وأصلُه: الإله، لكن حُذفت الهمزةُ تخفيفاً؛
لكثرة الاستعمال، "إله" بمعنى: مألوه ، والمألوه: هو المعبود محبَّة وتعظيماً "
انتهى من " الشرح الممتع " (3/ 56) .
و "الأول" أي : الذي ليس
قبله شيء .
وهو اسم يدل على تفرّد الرب بالكمال المطلق ، والإحاطة الزمانية ، وأن كل ما سواه
حادث كائن بعد أنْ لم يكن .
روى مسلم (2713) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " أنه كان إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ
الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ، فَالِقَ الْحَبِّ
وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ
مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ
فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ
الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ
، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قال تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) ، (الأول) أي:
ليس قبله شيء ،لأنه لو كان قبله شيء ، لكان الله مخلوقاً وهو عز وجل الخالق ، ولهذا
فسر النبي صلى الله عليه وسلم الأول بأنه الذي ليس قبله شيء ، كل الموجودات بعد
الله عز وجل ، لا أحد مع الله ولا قبل الله " انتهى من " لقاء الباب المفتوح "
(208/ 4) بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .