الإجابة
الحمد لله
قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين :
( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون/ 3 ، وقال تعالى : (
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا
كِرَامًا ) الفرقان/ 72، وقال عز وجل : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا
عَنْهُ ) القصص/ 55 .
واللغو المذكور في الآيات: هو كل كلام ساقط لا خير فيه ، ولا وجه له ، ويدخل فيه كل
قول مستقبح كالكذب والسب ، وكل قول ساقط من العبث الذي لا تنشغل به أنفس أصحاب
المروءات ، وكل ما كان تركه أولى بالمسلم من قوله والانشغال به.
فكل ما عاد على المسلم بالضرر ، أو عاد عليه بالنقص ، فهو من اللغو الباطل .
وذلك يشمل الأقوال والأفعال على السواء .
قال الطبري رحمه الله :
" اللغو في كلام العرب : كلّ كلام كان مذمومًا ، وسَقَطًا لا معنى له ، مهجورا " .
انتهى من " تفسير الطبري " (4/ 446) .
وقال أيضا :
" هو كل كلام أو فعل باطل ، لا حقيقة له ولا أصل .
أو : ما يستقبح ، فسبّ الإنسان الإنسانَ بالباطل الذي لا حقيقة له : من اللغو " .
انتهى من " تفسير الطبري " (19/ 315) .
وقال البقاعي رحمه الله :
" هو الذي ينبغي أن يطرح ويبطل ، سواء كان من وادي الكذب ، أو العبث الذي لا يجدي "
انتهى من " نظم الدرر " (13/ 432) .
وقال القرطبي رحمه الله:
" هُوَ كُلُّ سَقْطٍ ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ
واللهو ، وغير ذلك مما قاربه، ويدخل فِيهِ سَفَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمُ
الْمُؤْمِنِينَ ، وَذِكْرُ النِّسَاءِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّغْوُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا. وَهَذَا جَامِعٌ " انتهى من "
تفسير القرطبي " (13/ 80) .
وقال النسفي رحمه الله :
" كل كلام ساقط ، حقه أن يلغى ؛ كالكذب والشتم والهزل " .
انظر : " تفسير النسفي " (2/ 459) .
وعلى ما تقدم :
فلا يدخل في معنى اللغو: القول المباح ، والفعل المباح ، الذي أذن فيه الشرع .
فإذا أدى المسلم ما عليه من حقوق شرعية ودنيوية ، ثم أراد أن يروح عن نفسه ببعض
المباحات ، كاللعب ، أو مجالسة الأصحاب ، والتحدث إليهم في بعض أمور الدنيا ،
وممازحتهم ، أو مشاهدة بعض البرامج المفيدة ، ونحو ذلك من أنواع التروح : فلا حرج
عليه ، وليس هذا ونحوه من اللغو المذموم أو اللهو الباطل ؛ لما يترتب عليه عادة من
المصالح .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويمازحونه ، فروى الترمذي (1990)
وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ
تُدَاعِبُنَا قَالَ: ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) وصححه الألباني في "
الأدب المفرد " .
وروى أحمد (24334) عن عَائِشَةَ قَالَتْ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ - يعني يوم أن لعب الحبشة في المسجد : ( لتعلم
يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ
) " وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3219)
وروى مسلم (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، قَالَ : " قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا ، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي
فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ
الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ
الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ " .
ورواه النسائي (1358) ولفظه : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ، فَيَتَحَدَّثُ أَصْحَابُهُ ، يَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ ،
وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ ، وَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (266) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "
كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَادَحُونَ
بالبَّطِيخ ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ " صححه الألباني في
" صحيح الأدب المفرد " .
يتبادحون: أي: يترامون .
فالترويح عن النفوس بين الحين والحين ، بالممازحة والمحادثة واللعب والمشاهدة
المباحة والمسامرة والتنزه ونحو ذلك : لا حرج فيه ، وليس هو من اللغو المذموم ، ولا
اللهو الباطل ، إلا إذا أدى إلى ترك واجب ، أو فعل محرم ، أو غلب على طبع الإنسان
حتى صار من عادته الدائمة ، وحاله اللازمة .
والله تعالى أعلم .