الوقفات التدبرية

قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ...

قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ وهذا يعني أن كل نبي يخاطب المبعوث إليهم بلغتهم لأن المراد هو الإفهام والإيضاح ولا تقوم الحجة إلا بذلك .. ومما يندرج في مراعاة المُخاطبين وما يناسبهم ما التفت إليه ابن كثير في هذا النص النفيس الرائق الذي يشير فيه إلى تناسب معجزة كل نبي بما كان سائداً في عصره، يقول رحمه الله : (كانت معجزة كل نبي في زمانه بما يناسب أهل ذلك الزمان، فذكروا أن موسى عليه السلام كانت معجزته مما يناسب أهل زمانه، وكانوا سحرةً أذكياء، فَبُعِثَ بآيات بهرت الأبصار، وخضعت لها الرقاب، ولما كان السحرة خبيرين بفنون السحر وما ينتهي إليه، وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر الهائل، الذي لا يمكن صدوره إلا عمن أيَّده الله وأجرى الخارق على يديه تصديقًا له، أسلموا سراعًا، ولم يتلعثموا. وهكذا عيسى بن مريم بُعث في زمن الطبائعية الحكماء، فأُرسل بمعجزات لا يستطيعونها ولا يهتدون إليها، وأنَّى لحكيمٍ إبراء الأكْمَه الذي هو أسوأ حالًا من الأعمى والأبرص والمجذوم ومن به مرضٌ مزمن؟! وكيف يَتوصل أحدٌ من الخلق إلى أن يقيم الميت من قبره؟! هذا مما يعلم كلُّ أحد أنه معجزة دالة على صدق من قامت به، وعلى قدرة من أرسله. وهكذا محمد ﷺ وعليهم أجمعين، بُعِثَ في زمن الفصحاء البلغاء، فأنزل الله عليه القرآن العظيم الذي ﴿لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، فلفظه معجز تحدَّى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة، وقطع عليهم بأنهم لا يقدرون لا في الحال ولا في الاستقبال، فإنَّ لم يفعلوا ولن يفعلوا، وما ذاك إلا لأنه كلام الخالق عز وجل، والله تعالى لا يشبهه شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله). البداية والنهاية (٢٧٤،٢٧٣/٢). وكل هذا يدل على أهمية مراعاة أحوال المُخاطبين بما يناسب لغتهم وعلوم عصرهم بما يقيم الحجة البالغة عليهم .. والله أعلم .

ﵟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﵞ سورة إبراهيم - 4


Icon