الوقفات التدبرية

آية (١٩) : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ...

آية (١٩) : ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ * هذا الترتيب ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ مقصود بذاته ولذلك نلاحظ حتى في آخرها قال ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ فالسمع مقابل الرعد والأبصار مقابل البرق وذلك لأن الخوف من الرعد أشد من البرق لأن أقواماً أهلكوا بالصيحة. * قال ﴿يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم﴾ المقصود هو الأنامل وهذا مجاز مرسل حيث أطلق الكُلّ وأراد الجزء كأنما لو استطاعوا أن يُدخلوا أصابعهم كلها في آذانهم لفعلوا من شدة الخوف. * المبالغات الموجودة في الآية : -- الصواعق هي رعد شديد مع نار محرقة وقد يصحبها جرم حديد ليس مجرد رعد ولاحظ من فرط الدهشة أنهم يسدون الآذان من الصواعق وسد الآذان ينفع من الصواعق؟ ينفع من الرعد لكن لا ينفع مع الصاعقة لكن لفرط دهشتهم هم يتخبطون. -- صواعق بالجمع وليست صاعقة وإنما صواعق وظلمات وصيّب. -- الصيب مبالغة لأنه مطر شديد وليس مجرد مطر. -- ﴿كُلَّمَا أَضَاء لَهُم﴾ ﴿كلما﴾ تفيد التكرار إذن لم تكن مرة واحدة فهم حريصون على المشي لكي يصلون. -- ثم قال ﴿مَّشَوْاْ﴾ ولم يقل سعوا لأن السعي هو المشي السريع أما المشي ففيه بطء إشارة إلى ضعف قواهم مع الخوف والدهشة. -- ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ﴾ ولم يقل إن أظلم للتحقق ﴿إذا﴾ للمتحقق الوقوع وللكثير الوقوع أما ﴿إن﴾ فهي قد تكون للافتراضات وقد لا يقع أصلاً. -- ﴿قَامُوا﴾ يعني وقفوا لم يتحركوا وهذا عذاب أيضاً. -- ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ كان يمكن أن يذهب بسمعهم مع قصف الرعد وأن يذهب بأبصارهم مع ومض البرق، لماذا لم يفعل إذن؟ هو أراد أن يستمر الخوف لأنه لو ذهب السمع والبصر لأصبحوا بمعزل، هو أراد أن يبقوا هكذا حتى يستمر الخوف. وقدم السمع لأن الخوف معه أشد. هذا عذاب مضاعف وفيه مبالغات. * الفرق بين﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ و﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ : -- في الآية الأولى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)) هم لا يرجعون إلى النور الذي فقدوه لأنهم نافقوا وطُبِع على قلوبهم والعياذ بالله فلا مجال للرجوع. في الآية الثانية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (١٧١)). لما تكلم عن آبائهم قال ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً﴾ فكما أن آباءهم لا يعقلون هم لا يعقلون. -- المثال الذي ضُرِب (١٧١) صور هؤلاء وهم يُلقى عليهم كلام الله سبحانه وتعالى كمثل مجموعة أغنام الراعي يصيح فيها وهي تسمع أصواتاً لكنها لا تستطيع أن تعقلها، لا تفهم. فكأن هؤلاء وهم يستمعون إلى كلام الله سبحانه وتعالى كالأغنام لا يعقلون.

ﵟ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﵞ سورة البقرة - 19


Icon