الوقفات التدبرية

آية (٣٦) - (٣٧) : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا...

آية (٣٦) - (٣٧) : ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)﴾ * الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (٣٦) البقرة) و(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (١٢٣) طه) : إذا قرأنا الآيات نجد في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)) في طه الخطاب لآدم (لا تظمأ، فوسوس إليه، فتشقى، فعصى آدم ربه) فكان الكلام في طه ﴿اهبطا﴾ لآدم وإبليس وحواء تابعة ،إذن اهبطوا في البقرة أي آدم وحواء وإبليس. * قال تعالى في سورة طه ﴿قال اهبطا﴾ بضمير الغائب وفي الأعراف ﴿قَالَ اهْبِطُوا﴾ وهنا يقول ﴿قلنا اهبطوا﴾ بضمير المتكلم : الموقف ليس واحداً ، لو نقرأ النص تتضح المسألة : في سورة طه الكلام أصلاً في الغائب قال (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)) ما قال ثم اجتبيته (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ... (١٢٣)) السياق كله في الغائب . في سورة الأعراف ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾ غائب ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ﴾. في سورة البقرة قال ﴿وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ ضمير المتكلم (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) متكلم، لما كان السياق في الغيبة قال ﴿قال﴾ بالغائب ولما كان السياق في المتكلم قال ﴿قلنا﴾ . * (قال تعالى (فَأَزَلَّهُمَا) – ﴿فَأَخْرَجَهُمَا﴾ – ﴿كَانَا﴾ بالمثنى ثم ذكر آدم عند التلقّي بالمفرد دون حواء ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ﴾ - ﴿رَّبِّهِ﴾ – ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ : النبي هو الذي أُنزل عليه هو الذي يتلقى وليس زوجه والتبليغ أصلاً كان لآدم ﴿وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ﴾ ﴿اسْجُدُوا لِآَدَمَ﴾ الكلام كان مع آدم والسياق هكذا قال ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ لأن آدم هو النبي المنوط به التواصل مع الله سبحانه وتعالى بالوحي ، هذا السياق وهذا ليس تحقيراً لحواء . لو ذكرنا في سورة طه ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ لم يذكر حواء، السياق هكذا. * ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ قرأها إبن عباس ﴿فتلقى أدمَ﴾ فما وجه الاختلاف؟ هذه القراءة بالنصب ﴿فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ﴾ الكلمات فاعل ، هذه القراءة بالنصب فيها تكريم لآدم تلقته الكلمات كما يُتلقى الساقط إلى الأرض لئلا يهلك، تلقته الكلمات ليتوب ، ولم يقل فتلقت آدم من ربه كلمات لأنه أولاً ﴿كلمات﴾ مؤنث مجازي والمؤنث المجازي يجوز فيه التذكير والتأنيث، ثم الأمر الآخر هناك فاصل بين الفعل والفاعل لأن وجود الفاصل يحسّن التذكير وحتى لو لم يكن مؤنثاً مجازياً لو كان مؤنثاً حقيقياً جمع مؤنث سالم أيضاً بالفصل يُذكّر كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ (١٢) الممتحنة) ما قال إذا جاءتك، فكيف إذا كان المؤنث مجازياً؟ ﴿فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ﴾ تلقته الكلمات لأن آدم سقط ولأن المعصية سقوط فتلقته الكلمات لئلا يهلِك ، مسألة تقديم وتأخير المفعول به على الفاعل جائز في القرآن. * هذه الفاء ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ تسمى الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن كلام محذوف يعني فرددها فتاب الله عليه. * تنبهنا الآية إلى عبادة عظيمة وهي أول عبادة على وجه الأرض من بني آدم وبعد التوحيد وهي الاستغفار.

ﵟ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﵞ سورة البقرة - 36


Icon