الوقفات التدبرية

آية (٤٩) : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ...

آية (٤٩) : ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ * ربنا تعالى في سورة البقرة قال ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ وبعدها قال ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ : هناك فرق بين فعّل وأفعل ، نجّى يفيد التمهل والتلبّث والبقاء مثل علّم وأعلم ، علّم تحتاج إلى وقت أما أعلم فهو إخبار، فعّل فيها تمهل وتلبّث ، ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ لأنهم لم يمكثوافي البحر طويلاً فقال أنجيناكم ، أما عندما عدّد الله تعالى النعم على بني إسرائيل (إذ نجيناكم) لأنهم بقوا في العذاب فترة . * ﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ وليس أهل فرعون ، الآل هم الأهل والأقراب والعشيرة وكلمة آل لا تضاف إلا لشيء له شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا تستطيع أن مثلاً أن تقول آل الجاني بل تقول أهل الجاني . * ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ ما معنى يسوم؟ يقال سام فلان خصمه أي أذله وأعنته وأرهقه وهي مأخوذة من سام الماشية تركها ترعى وعندما يقال إن فرعون يسوم بني إسرائيل سوء العذاب معناها أن كل حياتهم ذل وعذاب . * ما هو السوء؟ إنه المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والسخرة والعمل بالأشغال الشاقة . * في سورة البقرة ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ وفي سورة إبراهيم ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ : في سورة البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء ﴿بَدَل﴾ من يسومونكم ، البدل يكون في الأسماء والأفعال والجُمَل ، هذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها ، ما هو سوء العذاب؟ ﴿يذبحون أبناءكم﴾ تبيين لسوء العذاب فنسميها جملة بَدَل. في سورة إبراهيم ذكر أمران ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، سيدنا موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل أن الله سبحانه تعالى أنجاهم من آل فرعون من أمرين: يسومونهم سوء العذاب هذا أمر والتذبيح هذا أمر آخر. كان التعذيب لهم بالتذبيح وباتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً ، إذن يسومونكم سوء العذاب هذا أمر، ويذبحون أبناءكم هذا أمر آخر . * الفرق بين ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ في سورتي البقرة وإبراهيم و﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ في (١٤١) الأعراف : الذبح غير القتل ، فالذبح لابد فيه من إراقة دماء وعادة يتم بقطع الشرايين عند الرقبة ولكن القتل قد يكون بالذبح أو بغيره كالخنق والإغراق ليس شرطا فيه أن تسفك الدماء. في قوله ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ أراد فرعون أن ينتقم من ذرية بني إسرائيل كأن الهكسوس كانوا موالين لبني إسرائيل لأن ملك الهكسوس اتخذ يوسف وزيراً ، وعندما انتصر الفراعنة انتقموا من بني إسرائيل بكل الوسائل قتلوهم وأحرقوا عليهم بيوتهم . أما ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ سبب الذبح هو خوف فرعون من ضياع ملكه فلقد رأى رؤيا قال له الكهان في تأويلها أنه يخرج من ذرية إسرائيل ولد يكون على يده نهاية ملكك ، فأمر بذبح كل مولود ذكر من بني إسرائيل ، ولكن قوم فرعون الذين تعودوا السلطة خشوا أن ينقرض بني إسرائيل وهم يقومون بالخدمات لهم ، فجعل الذبح سنة والسنة الثانية يبقون على المواليد الذكور ، وفرض الذبح حتى يتأكد قوم فرعون من موت المولود في الحال فلا ينجو أحد ولو فعلوه بأي طريقة أخرى قد ينجو من الموت . * لم يقل الحق تبارك وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون بناتكم لأنه يريد أن يلفتنا إلى أن الفكرة من هذا هو إبقاء عنصر الأنوثة يتمتع بهن آل فرعون وذلك للتنكيل ببني إسرائيل . * الفرق بين الأبناء والأولاد أن الأبناء أي الذكور جمع إبن بالتذكير مثل ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ أما الأولاد فعامة للذكور والإناث وهي جمع ولد ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ .

ﵟ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﵞ سورة البقرة - 49


Icon