الوقفات التدبرية

(إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) * لا دعاء مفروض على المسلم...

﴿إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ * لا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا عدة مرات في اليوم وهذا يدل على أهميته لأن له أثره في الدنيا والآخرة فالإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله لذلك، فإذا تُرك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه. * لم يقل تعالى اهدنا إلى الصراط المستقيم أو اهدنا للصراط المستقيم: الهداية هي الإلهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر وقد يتعدى بإلى أو باللام . ذكر أهل اللغة ان الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه: -- التعدية بالفعل نفسه تقال لمن يكون في الطريق فنعرفه به كما قال تعالى مخاطباً رسوله ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ ، ولمن لا يكون في الطريق فنوصله إليه كقول سيدنا ابراهيم لأبيه ﴿فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾. -- أما التعدية بالحرف ﴿إلى﴾ فتستعمل لمن لم يكن في الصراط فهداه الله فيصل بالهداية إليه ﴿فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ﴾ . -- وتستعمل التعدية باللام هداه له بمعنى بينه له ، وتستعمل عند الغاية ، فلم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبداً في القرآن لأن الصراط ليست غاية إنما وسيلة توصل للغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ وقوله ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء﴾. -- والهداية على مراحل وليست هداية واحدة : - إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى. - إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه. - إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا﴾ وهذه خاتمة الهدايات. * لم يقل سبحانه إيانا اهدي هذا المعنى لا يصح فالتقديم للاختصاص ولا يجوز أن نقول خصنا بالهداية ولا تهدي احداً غيرنا. * قال اهدنا ولم يقل اهدني لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة في الاستعانة والعبادة  فاقتضى الجمع في الهداية أيضاً، وفيه إشاعة لروح الجماعة وقتل للأنانية من النفس بأن ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا وفيه شئ من التثبيت والاستئناس. * لم يستخدم أرشد أو دلّ مكان الفعل هدى : فعل الهداية ليس هو مجرد الإرشاد ففي إستعمالات العرب كأنه يمس شيئاً داخلياً فيه ومنه الهدية لما تقدمها لإنسان في داخله نوع من المحبة والحميمية والود. * الخط المستقيم هو أقصر بُعد بين نقطتين فكأن المسلم يدعو الله أن يجعله في أقرب الطرق الذي لا يكون متعباً أو معوجاً. * اختار كلمة الصراط بدلاً من الطريق أو السبيل: - البناء اللغوي للصراط هو على وزن فِعال وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والخمار والغطاء والفراش، الصراط يدل على أنه واسع رحب يتسع لكل السالكين. - كلمة الطريق لا تدل على نفس المعنى فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك. - السبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. *كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم (إمام – صراط – طريق -  سبيل – نهج – فج - جدد (جمع جادة) – نفق) : إمام: هو الطريق العام السريع بين المدن أو الدول وليس له مثيل ويتميز بقدسية علامات المرور فيه ، وقد استعير هذا اللفظ في القرآن بمعنى الشرائع (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ (٧١) الإسراء) أي كل ما عندهم من شرائع وجاء أيضًا بمعنى كتاب (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢) يس).  صراط: هو كل ممر بين نقطتين متناقضتين كضفتي نهر أو قمتي جبلين أو الحق والباطل أو الكفر والإيمان، والصراط واحد لا يتكرر في مكان ولا يثنى ولا يجمع. وقد استعير في القرآن الكريم للتوحيد فلا إله إلا الله تنقل من الكفر إلى الإيمان (مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٣٩)الأنعام) والصراط عموما هو التوحيد وهو العدل المطلق لله تعالى وما عداه فهو نسبي . سبيل: طريق يأتي بعد الصراط وهو ممتد طويل سهل لكنه متعدد (سبل جمع سبيل) ولكن شرطها أن تبدأ من نقطة واحدة، والمذاهب في الإسلام من السبل وسبل السلام تأتي بعد الإيمان والتوحيد بعد عبور الصراط المستقيم ، واستخدمت كلمة السبيل في القرآن بمعنى حقوق في قوله (قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ (٧٥)آل عمران) ، وابن السبيل في القرآن هو من انقطع عن أهله انقطاعا بعيداً.  طريق: الطريق يكون داخل المدينة وقد سميت طرقا لأنها تطرق كثيرا بالذهاب والإياب المتكرر. والطريق هي العبادات التي نفعلها بشكل دائم كالصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (٣٠)الأحقاف). نهج: عبارة عن ممرات خاصة لا يمر بها إلا مجموعة خاصة من الناس وهي كالعبادات التي يختص بها قوم دون قوم مثل نهج القائمين بالليل ونهج المجاهدين في سبيل الله ونهج المحسنين وعباد الرحمن فكل منهم يعبد الله تعالى بمنهج معين وعلى كل مسلم أن يتخذ لنفسه نهجاً معيناً خاصاً به يعرف به عند الله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (٤٨)المائدة) وإذا لاحظنا وصفها في القرآن وجدنا لها ثلاثة صفات والإنفاق فيها صفة مشتركة: نهج المستغفرين بالاسحار: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) الذاريات) . نهج أهل التهجد: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (١٦)السجدة) . نهج المحسنين: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ (١٣٤) آل عمران) . فج: هو الطريق بين جبلين (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)الحج). جادة: هي الطريق الذي يرسم في الصحراء أو الجبال من شدة الأثر ومن كثرة سلوكه، وتجمع على جدد كما وردت في القرآن الكريم (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ (٢٧)فاطر) . نفق: وهو الطريق تحت الأرض (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ (٣٥)الأنعام) .

ﵟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﵞ سورة الفاتحة - 6


Icon