الوقفات التدبرية

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ...

﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ * جاءت كلمة الصراط مفردة ومعرفة بتعريفين: بالألف واللام وبالإضافة وموصوفاً بالاستقامة ليدل على أنه صراط واحد ، وأي طريق آخر غير هذا الصراط المستقيم لا يوصل إلى الله تعالى ومرضاته . لم ترد كلمة الصراط في القرآن مجتمعة أبداً بخلاف السبيل فقد وردت مفردة ووردت جمعاً ﴿سبل﴾ لأن الصراط هو الأوسع وهو الذي تفضي إليه كل السبل ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ وهو طريق الإسلام الرحب الواسع. ثم زاد هذا الصراط توضيحاً وبياناً تعريفه بالإضافة ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾ وجمعت هذه الآية كل أصناف الخلق المكلفين ولم تستثني منهم أحداً ولا يخرج المكلفون عن هذه الاصناف الثلاثة : ١- الذين أنعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم وعرفوا الحق وعملوا بمقتضاه. ٢- الذين عرفوا الحق وخالفوه ﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ ويقول قسم من المفسرين أنهم العصاة. ٣- الذين لم يعرفوا الحق وهم ﴿الضَّالِّينَ﴾ الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً هم من الأخسرين. * قال تعالى ﴿أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ ولم يقل تنعم عليهم فاختار الفعل الماضي على المضارع: لأنها أوسع وأشمل وأعم لأنه : -- إذا قال تنعم عليهم لأغفل كل من أنعم عليهم سابقاً من الرسل والصالحين ولم يدل في النص على أنه سبحانه أنعم على أحد. -- إذا قال تنعم عليهم لاحتمل أن يكون صراط الأولين غير الآخرين ولا يفيد التواصل بين زمر المؤمنين من آدم عليه السلام إلى ان تقوم الساعة. مثال: اذا قلنا أعطني ما أعطيت امثالي فمعناه أعطني مثل ما أعطيت سابقا، ولو قلنا أعطني ما تعطي أمثالي فهي لا تدل على أنه أعطى أحدا قبلي. -- ولو قال تنعم عليهم لكان صراط هؤلاء أقل شأناً من صراط الذين أنعم عليهم فصراط الذين أنعم عليهم من أولي العزم من الرسل والأنبياء والصديقين أما الذين تنعم عليهم لا تشمل هؤلاء. -- الإتيان بالفعل الماضي يدل على أنه بمرور الزمن يكثر عدد الذين أنعم الله عليهم فمن ينعم عليهم الآن يلتحق بالسابقين من الذين أنعم الله عليهم من أولي العزم والرسل وأتباعهم والصديقين وغيرهم وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم أما الذين تنعم عليهم تختص بوقت دون وقت ويكون عدد المنعم عليهم قليل. * عبر عن المنعَم عليهم باستخدام الفعل و﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ و﴿الضآلين﴾ بالاسم : - الفعل يدل على التجدد والحدوث والاسم يدل على الشمول والثبوت فوصفه أنهم مغضوب عليهم وضالون يدل على الثبوت والدوام. - لو قال صراط المنعَم عليهم بالاسم لم يتبين من الذي أنعم فبيَّن المنعِم ﴿أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ لأن النعم تقدر بمقدار المنعِم. - من عادة القرآن أن ينسب الخير والنعم إليه سبحانه وينزه نسبة السوء إليه (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)الجن) وقد يقول (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤)النمل) لكن لا يقول زينا لهم سوء أعمالهم. * ذكرت المغضوب عليهم بصيغة إسم المفعول والضالين بصيغة إسم الفاعل: - أولاً جيء بكل منهما إسماً ولم يقل صراط الذين غضب عليهم وضلوا للدلالة على الثبوت فالغضب عليهم ثابت والضلال فيهم ثابت لا يرجى فيهم خير ولا هدى. - مغضوب عليهم إسم مفعول يعني وقع عليهم الغضب لم يذكر الجهة التي غضبت عليهم ليعم الغضب عليهم ولا يتخصص بغاضب معين غضب الله وغضب الغاضبين لله من الملائكة وغيرهم بل سيغضب عليهم أخلص أصدقائهم في الآخرة ويتبرأ بعضهم من بعض حتى جلودهم تتبرأ منهم ، فحذف جهة الغاضب فيه عموم وشمول ، أما الضالين فهم الذين ضلّوا. * لو قال غير المغضوب عليهم والضالين وحذفت ﴿لا﴾ فقد يفهم أن الابتعاد هو للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط كأنه فريق واحد بصفتين: مغضوب عليهم وضالين، ومن لم يجمعها ﴿المغضوب عليهم﴾ فقط أو ﴿الضآلين﴾ فقط فلا يدخل في الاستثناء، فإذا قلنا مثلاً لا تشرب الحليب واللبن الرائب أي لا تجمعهما أما إذا قلنا لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب كان النهي عن كليهما إن اجتمعا أو انفردا. * لو قال (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) سيجعلهم بمنزلة سواء (غير وغير) لكن المغضوب عليهم هم الذين عرفوا الطريق ولم يتبعوه وانحرفوا وحساب هذا العارف بالطريق ولم يتبعه غير حساب الذي لم تبلغه الدعوة أو لم يعرف فالضالّ أقل جُرماً. فاستعمل الإسم ﴿غير﴾ الذي هو أقوى من الحرف ﴿لا﴾ لهؤلاء الذين عرفوا وإنحرفوا، ثم إستعمل الحرف ﴿لا﴾ الذي هو أقل شأناً وفيه معنى التوكيد ﴿ولا الضالين﴾. * قدم اذن المغضوب عليهم على الضآلين : - المغضوب عليهم الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن الحق وهم أشد بعداً لأنه من علم ليس كمن جهل لذا بدأ بهم وفي الحديث الصحيح أن المغضوب عليهم هم اليهود والنصارى فهم الضالون. واليهود أسبق لذا بدأ بهم. - صفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود عندما أمر إبليس بالسجود لآدم وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى وهي أول معصية ظهرت على الأرض أيضاً عندما قتل ابن آدم اخاه ولذا بدأ بها. - جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فالمغضوب عليهم مناقض للمنعم عليهم والغضب مناقض للنعم. * خاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد فيها فمن لم يحمد الله تعالى ومن لم يؤمن بيوم الدين وأن الله سبحانه مالك يوم الدين وملكه ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد الى الصراط المستقيم فهم جميعاً مغضوب عليهم وضالون. * أصل كلمة آمين : آمين: إسم فعل أمر بمعنى اللهم إستجب وهي لم تستعمل إلا مع الله وحتى قبل نزول القرآن. ﴿آمين﴾ آمين هي كلمة عربية شأنها شأن هيهات وشأن أف ، نسميها أسماء أفعال ألفاظ جامدة ، ثم بعد ذلك صاروا يشتقون منها (إني داعٍ فأمّنوا) اشتق منها فعل أي قولوا آمين اللهم إستجب، وهي لم ترد في المصحف لكن أُثبتت في السنة الصحيحة. ********************************************************* جلُت حكمة الله سبحانه وتعالى وجل قوله العزيز. فمن منا مهما بلغ من فصاحة وبلاغة وبيان يستطيع أن يأتي بكلام فيه هذا الإحكام وهذا الاستواء مع حسن النظم ودقة الانتقاء؟ فكل كلمة في موقعها جوهرة ثمينة منتقاة بعناية لتؤدي معاني غزيرة بكلمات يسيرة، كل واحدة واسطة عقد لا يجوز استبدالها ولا نقلها ولا تقديمها ولا تأخيرها وإلا لاختل المعنى أو ضعف أو فقد بعض معانيه . إنه الإعجاز الإلهي الذي يتجلى في الكون كله، ويحف بالقرآن كله، مجموعه وجزئياته، كلماته وحروفه، معانيه وأسراره، ليكون النور الذي أراد الله أن يهدي ويسعد به كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . ðððððð نظراً لكثرة الأسئلة التي يفيدنا د. فاضل السامرائي وغيره من العلماء الأفاضل بالرد عليها فقد ازداد حجم الملفات كثيراً ولاحظت عزوف الكثيرين عن قراءتها لهذا السبب ، ولهذا فقد يسّر الله تعالى لي اختصارها والإتيان بالفوائد المرجوّة من النصوص فقط دون ذكر الإجابات المفصّلة وهذا لتيسير للاستفادة منها، وللتوضيح فهي ليست مرجعًا لكلام العلماء الأفاضل، ولمن أراد النص المنقول للإجابات فعليه الرجوع إلى الملفات الأصلية غير المختصرة على ملتقى أهل التفسير وموقع إسلاميات. أسأل الله تعالى أن يجد كل الأخوة مبتغاهم فيها دون عناء وأن ينفع بها خلقًا كثيرًا وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا وأن يستعملنا لخدمة دينه وكتابه . بارك الله لكم وفيكم وجزاكم عن المسلمين خيرًا. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

ﵟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﵞ سورة الفاتحة - 7


Icon