الوقفات التدبرية

آية (١١٢) : (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ...

آية (١١٢) : ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ * في سورة البقرة ورد الفعل أسلم بالماضي وفي لقمان بالمضارع ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ وهناك أكثر من اختلاف بين الآيتين: الماضي والمضارع ، واللام وإلى ، ثم ﴿فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ في لقمان ولم يقلها في البقرة واختلف الجواب ﴿فله أجره عند ربه﴾ في البقرة ولم يقلها في لقمان : أولاً : استعمال المضارع والماضي - إذا وقع فعل الشرط مضارعاً بعد أداة الشرط فهذا يفيد التكرار غالباً وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب ، وسياق الآيتين يوضح : آية لقمان تتعلق بالإتباع ﴿قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾ (أسلم إلى) تعطي معنى الاتباع وتفويض الأمر لله ، فإذا كان بمعنى الاتباع فإن أمور الاتباع كثيرة في الحياة ما يتعلق بالحلال والحرام وإذا كان بمعنى التفويض إلى الله في حال النوازل والشدائد هذه كثيرة إذن يقتضي تكرر المسألة . آية البقرة جاءت في الرد على اليهود والنصارى ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾ رد عليهم ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ يدخلها المسلم ، والإسلام كم مرة يدخل الإنسان به؟ مرة واحدة من قال أشهد أن لا إله الله مرة واحدة فهو مسلم . فلما يتعلق الأمر بالتفويض والاتباع وهو كثير يقول ﴿يسلم﴾ بالمضارع لأنها تتكرر ولما يذكر الدخول في الإسلام فهو مرة واحدة فيستعمل الماضي ﴿أسلم﴾ والحاكم في السياق هو المسرح الذي تتم فيه الأحداث . ثانياً : واللام وإلى أسلم لله أي جعل نفسه خالصاً لله ليس لأحد آخر فيه نصيب لكن أسلم إلى الله أي فوض أمره إلى الله ، وفي الآيتين كلاهما محسن لكن أسلم لله أعلى من أسلمت إلى الله . ثالثاً : في آية البقرة ذكر الأجر ﴿فله أجره عند ربه﴾ لأنه ليس فيها تفويض أمر بينما في لقمان قال ﴿فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ أيها أعلى العاقبتين؟ العاقبة في البقرة أعلى فقد جعل الأجر مع الإسلام لله والإخلاص لله فناسب بين علو الأجر وبين معنى دلالة الإسلام لكن ذاك فوض أمره إلى الله قال ﴿فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ وكل أجر مناسب لكل واحد .

ﵟ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﵞ سورة البقرة - 112


Icon