الوقفات التدبرية

آية (١٢٧) : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ...

آية (١٢٧) : ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ * ما فائدة الضمير فى قوله تعالى﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ؟ جاء الخبر ﴿السميع العليم﴾ معرفة ووقع بين ﴿إن﴾ والخبر ﴿السميع﴾ ضمير الفصل ﴿أنت﴾ بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم ، ألا ترى أنك لو قلت لرجل أنت سامع إذا أردت أنه أحد السامعين أما إذا عرّفت فقلت أنت السامع فهذا يعني أنه السامع لا غيره . * جاءت ﴿يَرْفَعُ﴾ بالمضارع مع أنه رفع وانتهى لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يستحضر حالة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت ، فرغم المشقة التي تحملها الاثنان فهما سعيدان وكل ما يطلبانه من الله هو أن يتقبل منهما . *هل يُضمر القول في القرآن الكريم ؟ أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة : ١- الأصل أن يذكر القول والمقول وهذا هو الكثير مثل (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)) القول هو الفعل و المقول هو ﴿سمعنا وأطعنا﴾ . ٢- يمكن أن يحذف فعل القول ويذكر المقول لا يقول قال أو يقول لكنه مفهوم وهذا كثير أيضاً مثل (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)) هذا مقول القول ما قال يقولون ، حذف الفعل وأبقى المقول . ٣- أحياناً يذكر فعل القول لكن يحذف المقول ولكنه ظاهر في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) يونس) ما هو القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون وإنما هم قالوا هذا سحر، قول ﴿أسحر هذا﴾ هذا قول موسى وأضمر مقولهم هم ولكنه مفهوم من السياق . ٤- قد يذكر مقولين لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول منهما الإثنين ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد لكن المعنى واضح يجري عليه السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) النحل) هم قالوا ﴿ما كنا نعمل من سوء﴾ والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون) هذا ليس قائلاً واحداً وإنما هذا قائل آخر وحذف فعل القول لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء ولم يقل قال بلى مفهوم من السياق فحذف فعل القول من الاثنين وأدمج المقولين لكنه مفهوم من السياق . ٥- أن يذكر فعل القول ومقوله ويدرج معه قول لقائل آخر فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن في الحقيقة لا، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)) ، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ(٥٣)) هذا كلام سيدنا يوسف يتحدث عن أنه لم يخن العزيز بالغيب ، ﴿ذلك﴾ أي الكلام الذي قالته امرأة العزيز . ٦- هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول لكن لا يذكر المقول وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (٣١) إبراهيم) ﴿قل﴾ هذا فعل القول والمقول لم يذكره وإنما ذكر الفحوى ﴿يقيموا الصلاة﴾ هذا فحوى قوله تعالى هو لم يقل أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (٥٣) الإسراء) هذا ليس هو نص القول وإنما فحواه . فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم ، ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه .

ﵟ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﵞ سورة البقرة - 127


Icon