الوقفات التدبرية

آية (١١) : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ...

آية (١١) : ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ * اللمسة البيانية في تذكير كلمة عاقبة وتأنيثها في القرآن الكريم: إذا قصدنا باللفظ االمؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى. والعاقبة عندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب كما في ١٢ موضع في القرآن، وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة كما في الآية (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)). * تشابهت بداية الآية مع آيات أخرى ولكن اختلف التعقيب من التكذيب والاجرام والاشراك ومن التعامى عن النظر فى البدأة والنشأة الآخرة؛ ففى سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(٦٩)) وفي العنكبوت (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(٢٠)) وفى الروم (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ(٤۲)) : آية الأنعام: تقدمها قوله تعالى ﴿فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ﴾ والإشارة إلى أصناف المكذبين من المخاطبين ثم ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ وهؤلاء إنما أهلكوا بإعراضهم وتعاميهم وتكذيبهم؛ ناسب ذلك وصفهم بالمكذبين. آية النمل: سبقها قوله تعالى ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ﴾ وإنكارهم العودة بقولهم (..أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وذلك بعد ما ذكر وبسط لهم من واضح الدلالات والشواهد البينة - ما لم يبسط قبل آية الأنعام - أن آلهتهم لا تفعل ذلك ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ(60)﴾ فكان مرتكبهم بعد هذا إجرامًا وتعاميًا عن الاعتبار بما ذكروا به فقيل لهم: سيروا فى الأرض فانظروا عواقب أمثالكم من المتعامين عن النظر، فورد التعقيب بوسمهم بالإجرام مناسبًا لما تقدم من اجترامهم مع الوضوح ومتابعة التذكير. آية العنكبوت: فإن الله سبحانه لما قدم ذكر الآخرة فى أربعة مواضع من السورة ﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ(5)﴾ و ﴿وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(13)﴾ و ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(17)﴾ و ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ فناسبه تذكيرهم بالاستدلال بالبدأة على العودة فقال تعالى ﴿فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾. آية الروم: تقدم قبلها قوله تعالى ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31)﴾ و ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ(33)﴾ و ﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ و ﴿هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)﴾ فلما تقدم ذكر من امتحن بالشرك وسوء عاقبتهم ناسبه ما أعقب به من قوله ﴿فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ﴾. * اختلاف حرف العطف: وأما ورود العطف بالفاء فيما سبق سوى آية الأنعام فذلك بين لأنهم أمروا أن يعقبوا سيرهم بالتدبر والاعتبار ولم تقع إشارة إلى اعتبارهم بغير ذلك. أما آية الأنعام فإنها افتتحت بذكر خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وإنما ذكر هذا من الخلق الأكبر ليعتبر بذلك فإنه أعظم معتبر وأوسعه فاعتبروا لخالقها ، ثم انظروا عاقبة من كذب ونبه فلم يعتبر فعطف هذا بثم المقتضية مهلة الزمان لتفخيم الأمر، فليس موضع تعقيب بالفاء إذا لم يرد أن يكون سيرهم لمجرد الاعتبار .. والله أعلم.

ﵟ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﵞ سورة الأنعام - 11


Icon