الوقفات التدبرية

آية (٢١) : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا...

آية (٢١) : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ * الفرق بين الفاتحة والخاتمة للآيتين (٢١) الأنعام – (١٧) يونس : آية الأنعام: يخاطب بها بني إسرائيل الذين حرفوا التوراة والإنجيل على وفق ما تحققه مصلحتهم إلى يوم القيامة، وقالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله وغير ذلك كثير وهذا شرك، وأن تكذب على أحد فهذا ظلم وجور والله تعالى قال أن الكذب هو ظلم، فقال سبحانه ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾. آية يونس: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ الكلام هنا مبتدأ بالفاء تقريعاً على آية قبلها (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ (١٥)) ، لأن هؤلاء كفار وزعماء قريش وقادتها ما حرفوه من أجل تحيز ديني، ما كان فيهم طائفة ولا حزب بس غيرة وحسد. * وردت الآية في عدة مواضع في القرآن الكريم: في الأنعام (٢١) تقدمها قوله ﴿فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ (6)﴾) ثم (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (٧)) فناسب هذا ورود الآية (٢١) على طريقة التعجب من جمعهم بين الافتراء والشرك والتكذيب مع وضوح الشواهد وكثرة الدلائل الواردة أثناء هذه الآي مما لا يتوقف فيه معتبر. في الأنعام (٩٣) ذكر قبلها الرسل عليهم السلام وأعقب ذكرهم بقوله ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ ثم قال ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ فأعظم تعالى مرتكبهم فى هذا وفى تعاميهم عن التوراة وما تضمنته من الهدى والنور ثم أعقبه بقوله تنزيها للرسل عليهم السلام عن الافتراء على الله سبحانه وادعاء الوحى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ (93)﴾ ولم يتقدم الآية (٢١) ذكر الأنبياء والوحى إليهم. في الأعراف تقدمها وعيد من كذب بآيات الرسل واستكبر عنها وأنهم أهل الخلود فى النار فناسب هذا قوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ(٣٧)) . في يونس (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)) تقدم قبلها قوله تعالى ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ (15)﴾ ولا أظلم ممن قال هذا مع علمهم بفصاحته واعترافهم بالعجز عنه فجمعوا بين إنكار ما علموا صدقه وبين طلبهم تبديله وهو أعظم إقدام وأوضح إجرام لأنه كفر على علم فلهذا أعقبت الأية بقوله ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ ، ولم يقع قبل التى فى الأنعام أو الأعراف مثل هذا الاقدام على مثل هذه الجريمة فى القول وإنما تقدم عداوتهم وظلمهم أنفسهم فى مرتكباتهم وتعاميهم فناسبه قوله ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ . ولما تقدم وصفهم بالظلم في الأنعام ثم تكرر ذلك ممن افترى أو كذب، فوصف ثانيا بالاجترام ترقيا فى الشر كما يترقى فى الخير وأيضا ليناسب ما وقع فى يونس متقدما من قوله ﴿وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ .

ﵟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﵞ سورة الأنعام - 21


Icon