الوقفات التدبرية

آية (٣٢) : (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ...

آية (٣٢) : ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ * سمى ربنا الحياة الآخرة بالدار لأن الدار هي محل إقامة الناس وفي هذا إيماء للمؤمن بأن الدنيا هي ممر لا مقر. * دلالة تقديم اللعب وعطف اللهو عليه في الأنعام ومحمد والحديد وتأخيره في الأعراف والعنكبوت: في الأنعام وجه تقديم اللعب فى الآيتين (٣٢) و (٧٠) لينبه سبحانه عباده المؤمنين على أن هذه حال الحياة الدنيا وصفتها التى تمتاز بها ليجتنبوها ويحذروا غرورها فاللعب هو المتقدم فى الدنيا على اللهو لأن أول عمر الإنسان اللعب، فإذا استمر ألهى عن التدبر والاعتبار فتحصل الغفلة عن النظر فى الآيات فيعقب الهلاك، فورد الاخبار على حسب جرى الأعمار، فأمر تعالى نبيه عليه السلام بالإعراض عنهم فقال (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا(٧٠)) . فى سورة القتال (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ.. (٣٦)) الخطاب قبلها للمؤمنين بالأمر بالطاعة لله ورسوله ووصية لهم وإعلام بحال عدوهم من الكفار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ...) . آية الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا .. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (٢٠)) تعريف لعباده المؤمنين بصفة الدنيا كما سبق في الأنعام. آية الأعراف هي قول المؤمنين أهل الجنة إخبارا عن حال الكافرين الموجبة لتعذيبهم ﴿قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا(51)﴾ فقدموا اللهو الشاغل عن الاستجابة مع سن التكليف الذي أوجب عليهم العذاب – وهو اللهو- والذى اتخذه الكافر بالقصد والاختيار، فكأن الكلام: ان الله محرم نعيم الجنة على من تأبط الكفر واعتمده، فلم يبرح عن ملازمة الطبع والهوى. آية العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)) تقدم قبلها قوله تعالى ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ، ولا يسأل عن هذا ويجيب الا من جاوز سن اللعب وبلغ سن التى فيها يصح خطابه وعتابه على تفريطه، فقدم اللهو ليناسب ذكر مانعهم من الاستجابة. * قال تعالى ﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ وفى الأعراف ﴿وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ وفى يوسف ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ آية الأنعام تقدمها قوله تعالى معرفا بحال الدنيا ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ فجاء بلام القسم للتأكيد فى تعريف حال الدار الأخرة ﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ وكأنك تقول والله للدار الآخرة خير، وليس فى آية الأعراف ما يقتضى القسم لأنها مناطة بقوله تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى) ثم قال ﴿وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ . النعت بلفظ الآخرة على الدار فى آيتي الأنعام والأعراف يطابق ما تقدم قبل كل واحدة ففى آية الأنعام ﴿وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ فقال ﴿وللدار الآخرة خير﴾ وأما آية الأعراف ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى﴾ المراد به الدار الدنيا فقوبل بقوله ﴿والدار الآخرة خير﴾ ، ولما لم يتقدم مثل ذلك قبل آية يوسف ورد لفظ الدار مضافا بغير الألف واللام فيه فقيل ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ﴾.

ﵟ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﵞ سورة الأنعام - 32


Icon