الوقفات التدبرية

آية (١٦ - ١٧) : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ...

آية (١٦ - ١٧) : ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾ * ردّ إبليس اللوم إلى الله سبحانه وتعالى بأنه أغواه وهذا تنطع في الكلام، سبب الإغواء هو الابتلاء، نرجع للسبب، هو ابتلاه فاختبره فلم يسجد ورسب في الاختبار فكانت سبباً في إضلاله، فحذف هو السبب وجاء بالنتيجة فقال ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾. * الفرق بين رد إبليس هنا و(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(۳٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)الحجر) : فى الأعراف لما تقدم قوله تعالى ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ والإشارة إلى القرآن لأنه يوضح الطريق إليه وهو الصراط المستقيم الذى طمع اللعين فى الاستيلاء عليه وفتنة سالكه، عبر عن مرامه من ذلك فقال ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ لأستولين لهم عليه وآخذهم بكل الجهات لكي يكون له سلطان ولهذا قال عز وجل ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾. فى الحجر ورد منعه ومنع جنوده عن تعرف خبر السماء واستراق السمع فى قوله عز وجل ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَّزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17) إِلَّا مَنْ اسَتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ(18)﴾ فلما صد من هذه الجهة عدل إلى الأخرى فقال ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أى إن كنت ممنوعا عن إغوائهم من حيث خبر السماء وإبداء المقدرات رجعت إلى إغوائهم من جهة لم تمنعنى عنها لأزينن لهم فى الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا من عصمته منى ولم تجعل لى السبيل إليه وهم عبادك المخلصون، والله سبحانه أعلم بما أراد. * لم يذكر هنا من فوقهم ولا من تحتهم لأن رحمة الله سبحانه وتعالى تنزل منها، إذا رفع الإنسان يده إلى بالدعاء فليس لإبليس يدٌ في ذلك، وإذا وضع جبهته على الأرض ساجداً داعياً لله سبحانه وتعالى غُفر له فلم يذكر التحت. * ذكر ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ و ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ ولم يقل (من أيمانهم) : ﴿عن﴾ تفيد المجاوزة والابتعاد، فيها بُعد. قالوا لأن في اليمين والشمال ملكين رقيب وعتيد فهو يحذر أن يأتي مباشرة فيأتي منحرفاً، منحرف يخشى الملكين عن اليمين وعن الشمال فيأتي منحرفاً. ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ فيها مباشرة . * جاء النفي ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ ولم يقل (ولن تجد أكثرهم شاكرين) : هو بيّن كلامه على ظنّه أن أكثر بني آدم لا يشكرون الله سبحانه، فاستعمل لا النافية لأن ﴿لن﴾ فيها معنى التأكيد والتأبيد مثل ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾ للأبد، ﴿لن﴾ كلمة متأكّد متثبت يجزم بوقوع الحادثة وهو لا يستطيع أن يقول هذا الكلام فإبليس لا يملك ذلك.

ﵟ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﵞ سورة الأعراف - 16


Icon