الوقفات التدبرية

آية (١٨٦) : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ...

آية (١٨٦) : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ * ورود هذه الآية في هذا الموضع يدل على أن الصوم من دواعي الإجابة وإهابة بالصائم بأن يدعو ، فيحسن أن يُدعى الله. * الله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل بالإجابة عن السؤال مباشرة دون تبيلغ ولم يقل (فقل لهم إني قريب) كما ورد في مواطن كثيرة ، ليجأر إليه عباده بالدعاء. * ربنا سبحانه وتعالى تكفل بالإجابة إذا دعا الداعي ولم يعلق ذلك بالمشيئة فلم يقل إن شئت ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ كما في موطن آخر (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء (٤١) الأنعام) يعني ربما يفعل سبحانه وتعالى وربما لا يفعل، وعدم وجود المشيئة يعني قطعاً الصائم تجاب دعوته إن لم تكن في الدنيا تُدّخر له في الآخرة أو يُدفع عنه سوء. * ما دلالة عدم ذكر المشيئة هنا وذكرها في آية سورة الأنعام؟ الدعاء هنا في طاعة هؤلاء طائعين وهم صيام ليس في قطيعة رحم بينما الآية الأخرى جاءت عندما وقعوا في الحرج (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١) الأنعام). * قدم الإجابة الدالة على جواب الشرط فقال ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ لم يقل إذا دعاني أجيبه، فالأصل أن يأتي بأداة الشرط ثم جواب الشرط، ولكن قدم الجواب على الشرط للتأكيد على قوة الوعد وأن هذا حاصل. فالإجابة بفضل الله متحققة والله تعالى يريد من العباد أن يدعوا والدعاء شرط الإجابة. * قال ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ ولم يقل إن دعان مع أن الاثنين أدوات شرط وفي هذا إشارة أن العبد مطلوب منه أن يكثر الدعاء. ﴿إذا﴾ آكد من ﴿إن﴾ التي تأتي في الأمور المشكوك فيها والنادرة والمستحيلة (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) الزخرف). بينما ﴿إذا﴾ للمقطوع بحصوله مثل آيات يوم القيامة ﴿إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ﴾ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ أو الكثير الوقوع (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (٨٦) النساء) ، ذن هذا الخط العام في اللغة فلما يقول ﴿إذا دعان﴾ إذن المفروض أن يدعو وليس لما يقع في مصيبة. هذا نسق اللغة قال ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ إذن الدعاء شرط الإجابة وهو مطلوب لا تقول ربنا يعلم الحال وتسكت، الدعاء مخ العبادة. ربنا يغضب إذا لم يُدعى. * قال ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ ولم يقل أجيب الداعي ، فالتركيز على الدعوة ولو كان التركيز على الداعي لكان يجب أن يحسن الدعاء ولكن ماذا عن الأصم الذي يدعو بقلبه فلذلك يدخل في الدعوة. * قال ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾ مرسومة بالياء ولم يقل "عبادِ" : عبادي أحرفها أكثر من عباد ، وفي القرآن كله إذا قال عبادي بالياء فالمجموعة أكثر، هذه من خصوصيات الإستعمال القرآني. مثال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ (٥٣) الزمر) هؤلاء كثرة ، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ يجبهم كلهم بدون استثناء فجاء عبادي بالياء. من حيث الإعراب (عبادي وعبادِ) واحد، ﴿عبادي﴾ عباد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وفي ﴿عبادِ﴾ هذه تقديراً، مضاف ومضاف إليه مركب. * ما قال إذا سألك عبادي عني أجيب دعوتهم لأنه يقصد العموم والشمول. عندما قال ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ ليس كل العباد يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله وإنما هو في زمن معين في جماعة معينة، لو قال أجيبهم سيكون الكلام على من سأله وهو لم يخصص وإنما وسّع الدائرة مرتين عندما جاء بياء المتكلم في عبادي وعندما أطلق ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ يجيب كل داعي. * الآية سُبقت بقوله تعالى ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذا يدل على أن الدعاء يكون بعد الثناء على الله ، تُكبر وتثني على الله بما هو أهله ثم تدعو. * قال ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ ولم يقل "فأنا قريب" أكّد قربه بـ ﴿إنّ﴾ المشددة تفيد التوكيد ولم يقل ﴿فأنا﴾ لأنها غير مؤكدة. * لم يقل فقل لهم إني قريب وإنما تكفل تعالى بالإجابة. هو يُدعى سبحانه وتعالى بلا واسطة وهو يجيب مباشرة. ﴿قل﴾ هنا يحتاج إلى مدة وإن كانت قصيرة فهي لا تتناسب مع القرب في الإجابة. *وجاءت الفاء في الجواب ﴿فإني﴾ لتفيد السرعة التي تتناسب مع هذا العطاء الرباني العظيم.

ﵟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﵞ سورة البقرة - 186


Icon