الوقفات التدبرية

آية (١٨٧) : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى...

آية (١٨٧) : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ * تأمل هذا التشبيه القرآني بتشبيه كل واحد منهما باللباس للآخر وقد جاءت هذه الآية لتعبر عما تحمله تلك العلاقة المقدسة بين الرجل والمرأة وما يمثله كل واحد منهما لصاحبه. اللباس الذي يستر العورات ويدفيء صاحبه ويمنع عنه الأذى والضرر إلى غير ذلك من المنافع الكثيرة. فلو أردت وضع كلمة مكانها لما أدّت المعنى المراد. * سبب الاختلاف بين ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾ و (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (٢٢٩) البقرة) مع أنها كلها حدود الله: إذا ذكر محرّمات يقول (لا تقربوها) مثل الخمر لا ينبغي أن تقربها ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ هذا حرام ، أما في الأمور الحلال فلا ينبغي أن تتجاوزها ، الأحكام التي ذكرها في الحلال (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (٢٢٩) البقرة). * الحدّ هو الحاجز ونهاية الشيء الذي إن تجاوزه المرء دخل في شيء آخر وشُبِّهت الأحكام بالحد لأن تجاوزها يُخرج من حِلٍ إلى منع. ونهى الله تعالى المؤمن عن المقاربة لأن بين الصيام والإفطار قيد خيط أو شعرة وإن استمر المرء على الأكل أفطر وإن أكل قبل هذا الخيط أفطر أيضاً ولذلك نهى عن قربان هذا الحد لأنه دقيق سرعان ما يخرج المرء منه وهو غير شاعر بما فعل. * الفرق بين ﴿يبين الله لكم آياته﴾ و﴿يبين الله لكم الآيات﴾ : من حيث اللغة كلمة الآيات عامة أما ﴿آياته﴾ فخاصة ، والإضافة إلى ضمير الله سبحانه وتعالى فيها تشريف وتعظيم. المواطن التي يقول فيها ﴿آياته﴾ بالاضافة إلى ضميره سبحانه معناها أهم وآكد. الأحكام المختصة بالحلال والحرام يقول ﴿آياته﴾ مثل (١٨٧)، والأقل منها يقول الآيات (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ .. وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)) قال الآيات لأن هذه ليس لم يكن فيها تحريم بعد. (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ .. وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)) هذه أحكام ومحرمات. * ﴿لعلكم تتقون﴾ لعلّ بمعنى ﴿كي﴾ لأن لعل في القرآن من الله إذا كانت في وعد من الله سبحانه وتعالى فمعناها واقعة. * الفرق بين يتقون ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾١٨٧))، تتفكرون ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾٢٦٦))، يتذكرون )وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )٢٢١))، تعقلون ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾٢٤٢)) في خواتيم الآيات في سورة البقرة، كيف نميز بينهم في الحفظ؟ لو نظرنا إلى الآيات نجد فيها إرتباطاً وثيقاً: - التقوى هي تجنّب الوقوع فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى ، عندما يقول ﴿لعلكم تتقون﴾ في أربع آيات في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)) ( .. خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣)) (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)) ( .. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)) ، نجد أنها تأتي بعد فرض، فعل أمر(إفعلوا) أو فعل مضارع بـ لا الناهية (لا تفعلوا) أو بـ ﴿كتب﴾ بمعنى فرض. - ﴿لعلكم تتفكرون﴾ وردت مرتين في سورة البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)) (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)) الكلام على قضية تستدعي التفكير إما بضرب مَثَل يتأمله الإنسان وإما يكون جواباً عن سؤال يتفكر في الإجابة عنه . والآيتان فيما يتعلق بالمال. أُنظر الصورة من يودّ هذا؟ شيخ كبير عنده ذرية ضعفاء يفكر فيهم وفيها ثمر تأتي نار تحرقه. ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ تفكّر، شغّل عقلك، هذا المال الذي عندك قد يحرقه الله تعالى في أية لحظة فأنفق منه. - ﴿لعلهم يتذكرون﴾ التذكّر للإتّعاظ ، ووجدنا أنه في سياق بيان مخالف لعُرفِهِم. فعند ذلك يُطلب إليهم أن يكون لهم بهذا الكلام عظة وعبرة يتّعظون به فلا يخالفوه (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)) . الآية تريد أن تعالج عُرفاً إجتماعياً عند العرب أنه إذا أراد أن يتزوج لا يختار أَمَة ولكن يختار حُرّة ولا يزوّج إبنته لعبد وإنما يزوجها لحُرّ أياً كان. ولكن الآية توضح أن الإيمان هو المقدّم وليس أي شيء آخر.

ﵟ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﵞ سورة البقرة - 187


Icon