الوقفات التدبرية

آية (١٩٧) : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ...

آية (١٩٧) : ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ * ضمير الإناث يستعمل للإناث ويستعمل لجمع غير العاقل، نقول الجبال هُنّ شاهقات ما نقول هم. ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ هي للأشهر. بينما ضمير الواو في جمع المذكر السالم لا يستعمل إلا للذكور العقلاء فقط. * الفرق بين الذنب والمعصية والسيئة والإثم والفحشاء والفسوق والضلال والإسراف والظلم والكفر: الذنب الكبائر كما يقول أكثرهم (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا (١٩٣) آل عمران) السيئة الصغائر لذلك يستعمل المغفرة مع الذنب والتكفير مع السيئة. المغفرة يعني تستر الذنب والتكفير من كفر أي غطّى، لاحظ أيضاً المِغفَر الذي يلبسه الإنسان في الحرب يستر، التكفير هو تكفير البدن، المغفرة هو ما يمنع الضر، يقي الإنسان تحديداً، هو يقي الإنسان معناه أن الأمر الكبير يحتاج إلى مغفرة والصغير لا يحتاج إلى مثل هذا. واستعمل ربنا التكفير مع السيئة لأنها أقل والمغفرة مع الذنب لأن الذنب قد يأتي بإيذاء أكبر. يقولون الذنوب هي الكبائر والسيئات هي الصغائر. الإسراف السرف هو تجاوز الحد في كل فعل في الإنفاق أو في الأكل أو غيره، في كل شيء. الضلال ما يقابل الهدى، العدول عن الطريق المستقيم. العصيان الخروج عن الطاعة يأمرك فتعصي (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) طه) المعصية خروج عن الطاعة. الفحشاء هو ما عظم قبحه من الأفعال والأعمال. الفسوق هو الخروج عن الطاعة من فسقت الرطبة ما خرج عن الطريق ويمتد من أيسر الخروج إلى الكفر كله يسمى فاسقاً. الكفر سماه فسوق (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٥٥) النور) والنفاق سماه فسوق (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (١٨) السجدة) وليس كل فاسق كافراً لكن كل كافر فاسق قطعاً. الظلم، الظلم هو مجاوزة الحد عموماً وقد يصل إلى الكفر (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) البقرة) وقد لا يصل. الكفر فهو الخروج عن المِلّة. الكفر أصله اللغوي الستر وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية. الفسق أعم من الكفر يشمل الصغير والكبير، الكافر هو فاسق، المشرك فاسق، الذي يترك شيئاً من الدين هو فاسق، عمل شيئاً من المحرمات هو فاسق سواء كان قليلاً أو كبيرًا، إذن الفسق أوسع . * القرآن الكريم يفرق في الاستعمال بين الفسق والفسوق: الفسق لم ترد إلا في سياق الأطعمة وخاصة في الذبائح (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ (٣) المائدة) (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (١٢١) الأنعام) وغيرها. أما الفسوق فهو عامّ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (١٩٧)) (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (٢٨٢)) (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (١١) الحجرات) (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (٧) الحجرات) إذن الفسوق أعمّ كأنه لما كان البناء أطول ﴿فسوق﴾ من ﴿فسق﴾ جعله أوسع يعني ناسب بين بناء الكلمة والدلالة. * عبّر ربنا سبحانه وتعالى بالنفي ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ﴾ ولم يعبّر بالنهي: ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا: ذلك لأن النفي أبلغ من النهي الصريح فالنهي قد يعني أنه يمكن أن يحصل هذا الفعل لكنكم منهيوّن عنه. أما النفي فيعني أن هذا الفعل ينبغي أن لا يقع أصلاً فضلاً عن أن يفعله أحدٌ منكم أيها المسلمون ومن ثمّ أدخل النفي على الإسم لينفي جنس الفعل وأصله. * ذكر الأمر بالتقوى عاماً للناس كلهم ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ ، هذا يسمى الإطناب وفائدة الإطناب هنا أن الأمر بالتقوى ليس خاصاً بأولي الألباب وحدهم ولا يتوجه الكلام إليهم دون غيرهم لأن كل إنسان مأمور بالتقوى لكن ذكر هنا الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص وهم أولوا الألباب وأرجحيته على العام وهم عوام الناس لأن الناس يتفاضلون بالألباب وبها يتمايزون.

ﵟ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﵞ سورة البقرة - 197


Icon