الوقفات التدبرية

آية (٥١) : (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا...

آية (٥١) : ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ * دلالة تقديم اللعب وعطف اللهو عليه في الأنعام ومحمد والحديد وتأخيره في الأعراف والعنكبوت: اللعب في الأصل يقع في دور الطفولة والصبا وقد يستعمل نقيض الجدّ، أما اللهو أعم فقد يكون في دور الفتوة والشباب، تنشغل بشيء عن شيء آخر. في الأنعام قبل هذه الآية قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (٦٨)) ذكر الخوض وكثيرًا ما يقترن الخوض واللعب في القرآن الكريم ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا﴾ ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ فلما ذكر الخوض قدّم اللعب لأنه كثيرًا ما يقترن به. فى سورة القتال (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ.. (٣٦)) الخطاب قبلها للمؤمنين بالأمر بالطاعة لله ورسوله ووصية لهم وإعلام بحال عدوهم من الكفار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ...) . آية الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا .. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (٢٠)) تعريف لعباده المؤمنين بصفة الدنيا كما سبق في الأنعام. آية الأعراف الموقف يختلف، الكلام في الآخرة (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٥١)) ، نسوا دينهم هذا في سن التكليف لأن هؤلاء مكلفون فعوقب على التكليف هذا ليس من باب اللعب إنما من اللهو، هذا يلتهي إلتهى عن دين الله إنصرف عما أراده الله سبحانه وتعالى وانشغل بأمر آخر، إنشغل بهذا عن ذاك فقدّم اللهو، فكل واحدة في مكانها. آية العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)) تقدم قبلها قوله تعالى ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ، ولا يسأل عن هذا ويجيب الا من جاوز سن اللعب وبلغ سن التى فيها يصح خطابه وعتابه على تفريطه، فقدم اللهو ليناسب ذكر مانعهم من الاستجابة. * ذكر ﴿فَالْيَوْمَ﴾ بالرغم من تمام المعنى دونه لما فيه من إثارة تحسرهم وندامتهم وذلك لون من ألوان العذاب النفسي. * كاف التشبيه في قوله ﴿كَمَا نَسُواْ﴾ دلّ معناها على أن حرمانهم من رحمة الله كان مماثلاً لإهمالهم التصديق باللقاء.

ﵟ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﵞ سورة الأعراف - 51


Icon