الوقفات التدبرية

آية (٥٩) : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا...

آية (٥٩) : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ * دلالة الاختلافات بين آية الأعراف وآية هود (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)) والمؤمنون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣)) : - فى الأعراف ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ غير منسوق بواو العطف وفى هود والمؤمنون ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ بواو العطف : آية الأعراف لم يتقدمها ذكر إرسال الرسل إلى الأمم ولا أمر بدعاء الخلق إلى الإيمان ولا جملة يناسبها عطف، إنما تقدم قبلها ذكر أصحاب الأعراف ثم قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) إلى قوله ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ ثم ابتدأت قصص الرسل مع أممهم فقال تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ وتتابع قصصهم. آية هود تقدم قبلها ذكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبذلك افتتحت السورة قال تعالى (الـرْ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ..) ثم استمر ذكر دعائهم وتحذيرهم من التولي ثم ذكر تحديه عليه السلام إياهم بالقرآن ولم يعدل بالآى عن هذا الغرض إلى ذكر إرسال نوح عليه السلام فوردت الآى بذلك منسوقة. آية المؤمنون ورد قبلها ما يناسب عطفها عليه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) الآيات ، فذكرهم بإيجادهم وانتقالهم متقلبين فى أطوار مكتنفين بتوالى إنعامه وإحسانه ثم عطف على ذلك ما أنعم به من إرسال الرسل فذكر أولهم إرسالا إلى الخلق ليناسب ما بدأوا به من النعم الأولية فقال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ وكل ما ذكر فى هذه الآى نعم متناسبة والآء متوالية ولهذا لم يذكر فى هذه الآية ذكر عذاب الا بالإيماء الوجيز وخصت بقوله عقب الأمر بالعبادة ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ فذكرهم بالتقوى المجردة لنجاتهم وتخلصهم من العذاب ولم يكن ليلائم ذكر العذاب والإفصاح به ما تقدم من التذكير بإحسانه سبحانه وإنعامه من أول السورة إلى هنا. - اختلاف مقاله عليه السلام لهم فى كل سورة من الثلاث : إن دعاء الرسل أممهم يتكرر ويتوالى فى أوقات مختلفة متباينة فمرة يرغبون ومرة يخوفون وينذرون بحسب اختلاف الأوقات وما يناسب كل وقت وما يجرى فيه ويشاهد من أقوال المدعوين وأحوالهم، ألا ترى أن نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين كان يدعوا قبائل العرب إذا وفدوا على مكة ويقف على كل قبيلة فيكلمهم ويسمعهم القرآن ويدعوهم إلى الله بما يناسب أحوالهم: فى الأعراف لما تقدم ذكر اليوم الآخر وأهواله من أول السورة إلى ابتداء قصة نوح كقوله ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ(7)﴾ وقوله ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ(36)﴾ وقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ(40)﴾ قوله (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ... هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) فلما تقدم من أهوال هذا اليوم ما لم يتقدم فى السورتين الأخريين ناسبه من مقالات نوح لقومه ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وناسب قوله : ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ قول الممتحنين ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا﴾ . في هود افتتح نوح دعاء قومه بقوله ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ يناسب قول نبينا صلى الله عليه وسلم للعرب فى إخبار الله تعالى عنه ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ وأما قوله ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ فمناسب لما تقدم من ذكر العذاب ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ وقوله ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ وقوله ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ . - افتتاح أمرهم بالعبادة فى الأعراف والمؤمنين وقوله فى سورة هود قبل أمره إياهم ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ : افتتاح أمرهم بعبادة الله هو أول ما يطلب به الخلق، أما افتتاح مكالمتهم فى سورة هود بقوله ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ لمطابقته ما افتتحت به السورة من قول محمد صلى الله عليه وسلم بأمر ربه مخاطبا بكلامه تعالى ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾.

ﵟ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﵞ سورة الأعراف - 59


Icon