الوقفات التدبرية

آية (٢٥٩) : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ...

آية (٢٥٩) : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) * دلالة ﴿فَأَمَاتَهُ﴾ هنا وإستخدام الضرب على السمع في الكهف (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١)) : أولاً أهل الكهف لم يموتوا وإنما ناموا ولذلك لا يصلح أن يقال: أماتهم. أما ﴿أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ نلاحظ أنه إستعمل كلمة يحيي وكلمة الموت فناسب ذلك أن يقول ﴿فأماته الله﴾ لأنه تكلم عن موت وحياة. * قال ﴿فَأَمَاتَهُ﴾ ولم يقل ﴿أحياه﴾ لأن أحياه أي جعل فيه الروح، جعله حياً. أما بعثه أي جعله ينهض فالبعث فيه معنى الإنهاض، بعثه يعني الحياة جزء منه. الفعل بعث له معنيان متقاربان: المعنى الأول: أرسله والإرسال كأنه بعد تقييده كأنه كان عنده ثابت ثم أرسله لذلك يقولون أرسل السهم. ثم فيه معنى النهوض: يقول بعث الناقة لما تكون باركة أي أقامها وأنهضها بأن حلّ رباطها. هذان المعنيان متقاربان: بعثه أي أنهضه كاملاً مبصراً عاقلاً لأنه بعث بمعنى إستوى قائماً كما تستوي الناقة واقفة إذا بعثتها.. فلما ينهض هذا النائم الميت أي نهض بوعيه بعقله حتى يحاور حتى يقال له كم لبثت؟ ويجيب. ثم ختامها ﴿قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ لما عُرِّف قدرة الله سبحانه وتعالى ثم بدأ الحمار يتكوّن شيئاً فشيئاً فعند ذلك قال ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ مسألة كان يعلمها لكنه متعجب أنها قرية ميتة كيف يبعثها الله تعالى؟ لكنها الآن أصبحت يقيناً. * الفرق بين ذكر التنوين وحذفه فى (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) الكهف) و (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) : فى الكهف سنين بدل وليس تمييز عدد ، لو أضفنا نقول مائة سنة لكن فى الكهف ليست مضافة، ثلاث مائة لم تضفها حتى تقول ثلاث مائة سنة،. ﴿سنين﴾ بدل لأن تمييز العدد له أحكام بعد المائة والألف يكون مفرد مضاف إليه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (١٤) العنكبوت) (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (٢٥٩) البقرة) ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾ نوّن لأن هذا أمر عجيب فنوّن، هذا تنوين التمكين لكن الغرض منه، لماذا لم يضف؟ لأن الأمر يدعو إلى العجب والتعجيب ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾ أبهمت ويسمى الإيضاح بعد الإبهام. إذا قلنا ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾ السامع لا يتوقع أو لا ينتظر منك شيئاً آخر لأنه لو أردت أن تضيف لأضفت بعد المائة، إذن انتهى السائل فإذا جئت بالبدل تكون أتيت بشيء جديد ما كان يتوقعه قالوا الإيضاح بعد الإبهام. * ﴿وَلِنَجْعَلَكَ﴾ على ماذا مععطوفة؟ لما نجد العطف على مقدر محذوف نفهم أن هناك أموراً أخرى لم يذكرها ، فعندما أحياه الله تعالى هل فقط ليجعله آية للناس؟ هنالك أمور أخرى لكن ذكر منها ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾، * في قراءة عاصم ﴿كَيْفَ نُنشِزُهَا﴾ وفي قراءة ورش ﴿كيف نَنشرها﴾ فما الفرق في المعنى بين الكلمتين؟ نُنشزها هذه قراءة حفص أي نردها إلى أماكنها لأنه لما الحمار مات سقطت عظامه، فنُنشزها يعني نرفعها من مكانها ونضع كل واحدة في مكانها، أمّا نُنشرها يعني نحييها، من النشور (ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (٢٢) عبس) يعني أحياه. نَنشرها النشر ضد الطيّ كأنها كانت مجموعة نبسطها. الإثنتان فيهما إحياء لكن مراحل، العظام كانت مجتمعة ينشرها ويرفعها ويحييها. تدور الدلالة في فلك واحد حول الإحياء، لكن كل واحدة لها دلالة.

ﵟ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﵞ سورة البقرة - 259


Icon