الوقفات التدبرية

آية (١٧) : (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ...

آية (١٧) : ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ * الملاحظ في القرآن الكريم أنه إذا استعمل الفعل المضارع بعد الشرط فمظنة التكرار، واستعمال الماضي مظنة عدم التكرار ووقوعها مرة واحدة. يقول تعالى ﴿إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ﴾ ما قال إن يريد، لأن الإرادة مرة واحدة، كم مرة يهلكه؟ مرة واحدة إن هلك انتهى الأمر. * عيسى في القرآن الكريم كله نجد أنه يُذكر على إحدى هذه الصيغ: لقبه: المسيح ويدخل فيها المسيح عيسى ابن مريم و المسيح ابن مريم، وحيث ورد المسيح في كل السور لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البيّنات أبدأً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة. فاللقب في العربية يأتي للمدح أو الذم والمسيح معناها المبارك كما في الآية (١٧). كُنيته: ابن مريم ، ولم تأتي مطلقاً بالتكليف. إسمه: عيسى ، وعيسى ابن مريم، وفي كل أشكالها هي لفظ عام يأتي للتكليف والنداء والثناء ولا نجد في القرآن كله آتيناه البينات إلا مع لفظ ﴿عيسى﴾ ﴿وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ﴾ والتكليف جاء فقط باسمه وليس لقبه ولا كُنيته كما في الآية (٤٦) و(١١٢) . * الفرق بين قوله تعالى هنا ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا (17)﴾ وفي سورة الفتح ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا (11)﴾ : ننظر للمخاطبين في الآيتين: في سورة الفتح الخطاب مختص بالمخلّفين من الأعراب (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا .. (١١)) . في سورة المائدة الخطاب عام وليس لجماعة معينة ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ ثم قال ﴿وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ هذا الخطاب على مدى الأزمان والدهور فكيف يقول لكم؟ ، فلمّا كان مطلقاً عمّم وأطلق. * ورد في بعض آي القرآن ﴿السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ وفى بعض السور لم يرد ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ : - كل موطن في القرآن الكريم يذكر فيه ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ يأتي تعقيب على من يذكر صفات الله تعالى بغير ما يليق به سبحانه، هنا تعقيب على قول النصارى ﴿الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وعلى قول اليهود بعدها (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (١٨)) قال بعدها ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ لا يحتاج الولد سبحانه، لماذا رقّيتم أنفسكم؟ هو تعالى لا يحتاج هذا حتى يتخذكم أبناء، لِمَ يتخذكم أبناء وهو الغني؟ - أبداً في كل موطن في القرآن الكريم يذكر فيها ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ يذكر في السياق ثلاث ملل؛ في المائدة ذكر الكلام على بني إسرائيل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ (١٢)) ، نصارى (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ (١٤))، أهل الكتاب (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩))، ثلاث ملل.

ﵟ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﵞ سورة المائدة - 17


Icon