الوقفات التدبرية

* دلالة تكرار (مِنْ قَبْلِكُمْ) : الخلاق أي النصيب الهيّن التافه،...

* دلالة تكرار ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ : الخلاق أي النصيب الهيّن التافه، وكررها حتى يشدد على تفاهة هذا الشيء ويبغِّض فيه بأن هذه الأموال والأولاد خلقات. ممكن في غير القرآن أن يقول: هم استمتعوا بخلاقهم فاستمتعوا بخلاقكم كما استمتعوا بخلاقهم لكن سيكون التكرار قريباً، فرجع إلى عبارة بعيدة قليلاً فكرر الأول ﴿كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ﴾ حتى يخفف استعمال الضمائر - وهذا كان معروفًا عند العربي ويسميه إستراحة، يستريح من تكرار الضمائر بهذا الشكل - ثم مضى في هذا التجنب لحشد الضمائر ولم يقل خضتم كخوضهم أو كالذي خاضوه أو خاضوا فيه، لكن قال ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ ﴿الذي﴾ فيها شيء من التعريف ليبتعد عن تكرار الضمائر وتكرار العبارة بنصّها. * وردت ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ في أكثر من موضع وبملاحظة السياق يتضح الفرق: في التوبة ﴿كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا﴾ ماذا قال عنهم؟ ماذا فعل فيهم؟ قال ﴿أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ ما ذكر لهم عقوبة. في الروم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩)) ما ذكر شيئاً. في فاطر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤))، ما ذكر لهم شيئاً، هذه الآيات الثلاث من دون ﴿هم﴾. في غافر التي فيها ﴿هم﴾ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٢١) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٢)) ذكر العقوبة قال ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ ما ذكر ذلك في الآيات الأخرى، ﴿مِنْ وَاقٍ﴾ فيها توكيدين، ﴿من﴾ تفيد التوكيد واستغراقية، ثم كرر ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ للتوكيد ثم قال ﴿إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أكّد، إذن توكيدات متعددة إضافة إلى الأخذ فاقتضى الموطن التوكيد بضمير الفصل فقال ﴿كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾. * استخدام صيغة المفرد والجمع في قوله تعالى ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾: أي خضتم كخوضهم، كالذي خاضوه أي بالشيء الذي خاضوا فيه، و﴿الذي﴾ عادت على الأمر المفرد وليس عليهم.

ﵟ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﵞ سورة التوبة - 69


Icon