الوقفات التدبرية

آية (١) : (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن...

آية (١) : ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ * أهمية الكتاب تكمن في أمرين: - الجهة التي أصدرته ﴿حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ هذا يدل على العلو، قكتاب الموظف ليس مثل كتاب المدير ولا السلطان إذن الكتاب أهميته تكون من أهمية المرسِل. - محتواه، ماذا فيه؟ الحكمة، إذن هو دل على رفعته بكل مقتضيات العلو والرفعة حاكم وحكيم وخبير والحكمة محتواه والأمر طلب عبادة الله وتوحيده. هذا شأن الكتاب المذكور في اول السورة إنه كتاب محكم أحكمه حاكم حكيم خبير، هذا يدل على رفعة الكتاب. * ﴿أُحْكِمَتْ﴾ بمعنى نظمت نظماً رصيناً ليس فيه نقض وخلل ولا أي شيء. الكتاب هنا هو القرآن الكريم وليس اللوح المحفوظ لأنه ذكر بعدها ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ﴾ هذا في الكتاب. * دلالة بناء الفعل للمجهول ثم ذكر الفاعل: إذا أراد الحديث عن نائب الفاعل بنى الفعل للمجهول وإذا أراد الحديث عن الفاعل ذكره. عموم الكلام ماذا يريد المتكلم؟ مثال (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (٢) الزمر) الكلام عن الله وليس عن الكتاب فقال ﴿أَنزَلْنَا﴾، بينما الحديث هنا عن الكتاب وتعظيمه ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ لا على من أحكم وفصّل، ثم ذكر من الذي أحكم وفصّل؟ ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ هذا من باب التعظيم للكتاب. * ﴿ثُمَّ﴾ هنا لترتيب الإخبار وليس ترتيباً زمانياً، كما تقول فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل، كما في (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ ... * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا) لو لم يكن مؤمناً لا قيمة لما أنفق، هذا ترتيب الإخبار لا ترتيب الوقوع. * ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ لم يجمع هذين الوصفين الإحكام والتفصيل إلا في هذا الموضع، إما أن يذكر الإحكام (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١) يونس) أو التفصيل (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (٣) قصلت) (أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً (١١٤) الأنعام) . * في السورة نفسها ذكر تعظيم هذا الكتاب في مواطن وكلها متناسبة مع الآية الأولى: - ذكر شأن الكتاب الذي ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ولم يجتمع هذان الأمران في موطن آخر والذي فعل هذا هو الحاكم الحكيم الخبير. - يذكر تحدي المعاندين والمعارضين (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (١٣)) هذا الكتاب الذي أحكمه الحاكم والخبير (قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١٣)) يأتي بمنزلة هذا الكتاب (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٤)) . - مرة أخرى يقول (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ (١٧)) في مرية من الكتاب ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾. - في موطن آخر (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (٣٥)) . - (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا .. (٤٩)) يخبر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بسيدنا نوح والأنبياء من قبله وهو لم يكن يعلم عنها لا هو ولا قومه، ونلاحظ حتى في الآخر يقول (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)) . بيّن علو ومنزلة هذا الكتاب في مدار السورة، كلما تأتي مناسبة يذكر هذا الأمر بشكل معين حسب السياق، ما أجلّ هذا الكتاب! الذي أُحكمت آياته ونُظمت نظماً محكماً ليس فيه نقص ولا نقض وفصّل ما يحتاج إليه العباد بحيث لم يترك شيئاً. * الفرق بين الحكيم والخبير: الحكيم من الحكمة والحكم، الحكيم هو ذو الحكمة البالغة أي إحسان القول والعمل ووضع الشيء في محله قولاً وعملاً، والحكيم للحاكم الذي يقضي بمعنى القضاء، قد يكون الحاكم غير حكيم وقد يكون الحكيم غير حاكم. وهذا من باب التوسع في المعنى. فالذي أحكم آياته الحكيم ذو الحكمة والذي بيده الحكم والأمر وهذا يدل على رفعته مكانته. الخبير هو الذي يعلم بواطن الأمور. فما أعظم هذا الكتاب الذي أحكمه وفصله الحكيم الخبير!.

ﵟ الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﵞ سورة هود - 1


Icon