الوقفات التدبرية

آية (١٢) : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ...

آية (١٢) : ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ * مناسبة هذه الآية الكريمة لما قبلها: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ لماذا يترك بعض ما يوحى إليه؟ هذا مما يقتضي الصبر قال قبلها ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ وما يجد في نفسه من ضيق ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ هذا يقتضي الصبر أيضاً. فاصبر على ما تواجهه. * ﴿لعلّ﴾ في اللغة للترجي لكن أحياناً يقصد بها التحذير وأحياناً الزجر، لعلك تقصر فيما أمرتك به فحذره من هذا الأمر. * ﴿تَارِكٌ﴾ بالتنوين ولم تأت بالإضافة مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ (٩) آل عمران) : عندنا قاعدة في النحو أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله شرطه أن يدل على الحال والاستقبال، مثل ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، أما الإضافة عامة قد تدل على الماضي (ضاربُ زيدٍ) معناه ضربه إحتمال، وقد تدل على الاستقبال ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾، إذن في الآية يعني الآن أو في المستقبل ليس في الماضي، فلو قال تاركُ كان احتمال أنه تركه فيحذره مما ترك في الماضي ولكن الرسول لم يترك شيئاً، فحتى لا يحتمل شيئاً. * قال ﴿بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ ولم يقل كل ما يوحى إليك إذن التحذير من ترك أي شيء من أمور الدين، ينبغي أن يبلّغه كله مهما كان موقف الكافرين واستهزاؤهم وضيق الصدر بهم، إياك أن تترك شيئاً مما يوحى إليك وإن كان قليلاً . * قال ربنا ﴿وَضَآئِقٌ﴾ ولم يقل ضيّق فضائق إسم فاعل حتى يدل على أنه ضيق عارض بسبب معين ليست سمة أو صفة فالرسول كان أفسح الناس صدرًا، بينما ضيّق صفة مشبهة ثابتة تعني أن صفته ضيق الصدر وصف دائم. * قدّم ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ على ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ مع أن القريب إلى العقل والمنطق أن يكون ضيق الصدر مقدّم على ترك بعض ما يوحى إليه فضيق الصدر سيؤدي إلى الترك، لكن أيُّ الأهم ضيق الصدر أو الترك؟ الترك أهم من ضيق الصدر فقدّم الأهم، أحياناً قد يضيق صدره بأمر لكن لا يتركه. * قدّم ﴿بِهِ﴾ على﴿صَدْرُكَ﴾ بينما في سورة الحجر قدّم الصدر (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)): ﴿به﴾ هذا الأهم، عندنا ما يوحى للرسول وصدر الرسول فقدّم ما يوحى على الصدر لأنه الأهم، بينما الآية الأخرى ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أيُّ الأهم صدر الرسول أم ما يقوله هؤلاء؟ صدر الرسول، فقدّمه لأنه أهمّ. * ﴿أَن يَقُولُواْ﴾ ولم يقل مثلاً ﴿لقولهم﴾ أو ﴿أن قالوا﴾ لأن صيغة ﴿أَن يَقُولُواْ﴾ يفيد الدوام والاستمرار لأنهم لن ينتهوا وإنما يستمرون في الكلام ليس فقط قالوا وانتهى، بينما ﴿أن قالوا﴾ ماضي و﴿لقولهم﴾ يحتمل أن يكون ماضي. * قال ربنا تبارك وتعالى ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾ مع أن الكنز يكن في الأرض: هذا من التعجيز مثل ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ وقسم يقولون أُنزِل هنا بمعنى إعطاء.

ﵟ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﵞ سورة هود - 12


Icon