الوقفات التدبرية

آية (١٦) : (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ...

آية (١٦) : ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ * جمعت الآية بين فعلين ربما يكون بينهما تقارب دلالي ﴿صَنَعُواْ﴾ و ﴿يَعْمَلُونَ﴾ : الصنع هو إجادة العمل، العمل عام سواء بإجادة أم بغير إجادة، سواء ما صنعوه أو ما عملوه من غير صنع كلاهما ذهب هباء. * ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ الضمير ﴿فيها﴾ فيه احتمالان الأول أنه حبط في الآخرة الذي صنعوه في الدنيا، ويحتمل حبط ما صنعوا في الدنيا، وكلاهما مرادان مقصودان، ولو قدّم وقال حبط فيها ما صنعوا كان ينصرف للذهن للآخرة فقط ولا يصح للدنيا، لكن في هذا التأخير جمع الأمرين. * ذكر الحبوط مع الصُنع أولاً ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ﴾ ثم البطلان مع العمل ثانياً ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ : الحبوط لم يرد في القرآن إلا في الأعمال ﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ ﴿فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، أما البطلان فهو أعمّ في العمل وغير العمل في القضاء والاعتقاد ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾، الحبوط أخص فذكره مع الصنع الذي هو أخص والبطلان أعم ذكره مع العمل الذي هو أعم. * ﴿مَا صَنَعُواْ﴾ فيها احتمالان تحتمل أن تكون ﴿ما﴾ مصدرية بمعنى حبط صنعه أو تحتمل إسم الموصول ﴿الذي﴾ أي حبط الذي صنعه، فنحن عندنا أمران الصنع كحدث وعندنا ما صنعوه. * ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ ما قال ﴿فيها﴾ بينما ذكرها في ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ : هناك فرق بين العبارتين من حيث التركيب والدلالة والذكر والحذف واختيار الفعل والإسم والصنع والعمل وذكر الضمير وعدم ذكر الضمير وكل شيء: - ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ هذا مبني على الخصوص، ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ مبني على العموم، فالحبوط أخص من البطلان، والصنع أخص من العمل، هذا من حيث الدلالة. - ﴿حبط﴾ حبط فعل ماضي و﴿باطل﴾ إسم، أيّ الأعم؟ الإسم أعم وأثبت من الفعل هذا من حيث الصيغة. - قال ﴿مَا صَنَعُواْ﴾ فعل ماضي، و ﴿مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ ماضٍ مستمر، أيّ الأعم؟ الثانية، الماضي المستمر يشمل ذاك وما قبله. - قال ﴿مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ قيّد الصنع بالحبوط وفي الدنيا، في الثانية قال ﴿باطل﴾ غير مقيّدة، لم يقل باطل فيها، جعلها عامة في الدنيا والآخرة، أّي الأعم؟ ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾. - ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ فعل وفاعل سواء كان مصدراً أو إسم موصول، ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فيها احتمالان إما أن يكون ﴿باطل﴾ خبر مقدّم، ومحتمل أن يكون ﴿َبَاطِلٌ﴾ إسم فاعل ﴿ما﴾ الذي فاعل، فذاك واحد وهذه إثنان أيّ الأعم؟ الثانية.

ﵟ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﵞ سورة هود - 16


Icon