الوقفات التدبرية

آية (١٨) : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا...

آية (١٨) : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ * مناسبتها لما قبلها: بعد أن ذكر الافتراء في الآية التي قبلها ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ قال لا أحد أظلم ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ . * ربنا قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ وليس (ولا أظلم) : (لا أظلم) هذا كلام عادي، أسلوب خبري أنت تقرر هذا الأمر، لكن (مَنْ أَظْلَمُ) هذا أسلوب إنشائي استفهامي حتى يشارك المخاطَب ويجعله يقرر بنفسه فتطلب منه أن يجيب. * الإفتراء هو الكذب والافتراء في الأصل مأخوذ من الفري وهو قطع الجلد، وإفترى الجلد كأنه اشتدّ في تقطيعه تقطيع إفساد. فأُطلق الافتراء على الكذب بغرض الإفساد وأيُّ إفساد أعظم من إفساد شريعة الله تعالى؟! * جاءت كلمة الكذب هنا نكرة: المعرفة هى ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً مذكور في السياق، في آل عمران (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)) الكلام عن الطعام، هم كذبوا على الله في هذه المسألة. التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول، كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة هنا ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ أيّ كذب في أيّ شيء، نكّر لأنها عامة تشمل كل افتراء في كل حالة. * ﴿يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يعرضهم على من أساؤوا إليه وكذبوا عليه وافتروا عليه مباشرة، لتقريرهم والإشهاد عليهم لفضيحتهم هذه فضيحة كبيرة. * ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ﴾ أي الذين شهدوا هذا الأمر وعرفوه فيكون هؤلاء شهود على هؤلاء، لما قال أشهاد هذه تحتمل جمع شاهد وشهيد للمبالغة في الشهادة، فهم عندما افتروا افتروا على ناس متمرسين في الشهادة وعلى عموم من سمع فجمعهم كلهم لتكون شهادة عامة موثقة، إذن أشهاد مقصودة لأنها أعمّ، ثم زيادة في فضحهم وخزيهم يشار إليهم ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يشيرون إليهم وهم موجودون أمامهم، كلهم حضور. * قال تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ﴾ بلفظ الجلالة ﴿الله﴾ ثم قال ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ : افتروا على الله خالق السموات والأرض باسمه العلم، ثم افتروا على ربهم - بإضافة الرب إليهم - الذي أحسن إليهم والافتراء على الرب من أسوأ الأفعال وأقبحها أن تفتري على من أحسن إليك على سيدك ومن تولى أمرك ومن أنعم إليك، أليس هذا من أبلغ الإساءات؟ فإن كان الرب هو الله؟! أسوأ، فجمع، لو جاء بواحدة لم تكن بهذه الدلالة لأن كل إسم من أسماء الله له معنى معين ودلالة معينة فمعنى الربوبية غير معنى الألوهية فاللغة تفرق بين الله والرب، الله مأخوذة من ألِهَ يعني عبَد، الله هو المعبود، لكن الرب ليس فيها معنى المعبود، فالإساءة إذن صارت مضاعفة. * القائل ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ تحتمل أمرين: أن يكون القائل هم الأشهاد، أو أن يكون كلام الله عندما شهد هؤلاء لعله يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون من كل حدب وصوب فجمع، ولو حدد ستكون محددة فإذن الآن اجتمعت اللعنتان - والله أعلم - من الله ومن الأشهاد للإطلاق لتكون اللعنة أشمل وأعم. * قال ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ ولم يقل (ألا لعنة الله عليهم) : لو قال عليهم لتخصص بهؤلاء لكن ﴿عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ كل الظالمين ودخل فيهم هؤلاء، لما قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ هؤلاء ظالمون فناسبها ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، الكذب جزء من الظلم والظلم أعمّ فدخل فيه كل ظالم هؤلاء وغيرهم عموماً، أيضاً اللعنة على الظالمين عامة ليست خاصة.

ﵟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﵞ سورة هود - 18


Icon