الوقفات التدبرية

آية (٣٨) : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ...

آية (٣٨) : ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ * ﴿ويصنع﴾ بالمضارع مع أن الفعل حدث في الماضي، هذا يسمى حكاية الحال، تذكر أمرًا ماضيًا تذكره بالفعل المضارع تنقله إلى المشاهدين كأنما هو الآن، ويذكر في السيرة لأن الأمر المهم يؤتى به بالفعل المضارع. * ﴿وَيَصْنَعُ﴾ بالمضارع مع أن بعدها ﴿مَرَّ عَلَيْهِ﴾ بالماضي لأنه مستمر بالصنع. * قال ﴿مَرَّ عَلَيْهِ﴾ وليس مر به مع أنها جاءت في القرآن (وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) المطففين) وهذا يدل على أن سيدنا نوح لا يصنع في طريق المارة وإنما في مكان متنحي أخفض من المكان وهم يمرون من علو، بينما ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ هم في مستوى مرور واحد. * جواب ﴿كلما﴾ يحتمل أمرين: - كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، يعني ملأ يسخر منه لكنه ليس بالضرورة أنه يرد على كل ساخر، أحياناً يتركهم وأحياناً يرد، والجملة ﴿قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ استئنافية. - كلما مر عليه ملأ ساخر قال ﴿قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ هو لا يترك ساخرًا إلا ويرد عليه، لكن ليس بالضرورة أن كلما مر ملأ يسخر منه. المعنى سيتغير لأن الدلالة مختلفة ولو أراد ربنا أن يعين الجواب بالتحديد لقال كلما مر عليه ملأ من قومه يسخرون منه قال ﴿إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا﴾ لكن هذا التعبير يحتمل الأمرين، هو أراد أمرًا أنه لا يمر ملأ إلا سخر ولا يترك ساخراً إلا رد عليه. * ﴿إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا﴾ بالمضارع وليس إن سخرتم مع أن الفعل حدث بالماضي ﴿سَخِرُواْ مِنْهُ﴾ لأنه قال ﴿كلما﴾ التي تفيد الاستمرار والدوام فهم مستمرون في السخرية والاستهزاء دائمون عليها. * ﴿قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا﴾ ولم يقل إن تسخروا مني مع أنه قال قبلها ﴿سَخِرُواْ مِنْهُ﴾ لأنهم كانوا إذا رأوه سخروا منه وإذا رأوا المؤمنين سخروا منهم سخروا من الجانبين فهو يرد على الكل. * ﴿نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ بالمضارع ولم يقل سنسخر منكم باعتبار أنه سيحدث في المستقبل، فالمضارع يدل على الحال والاستقبال، ومحتمل أن المؤمنين يسخرون من الكافرين في الحال لأنهم لا يعلمون ماذا سيحيق بهم ويسخرون منهم عندما يغرقون وفي جهنم، لكن هؤلاء يسخرون وهم لاهون عابثون ولا يعلمون ماذا سيحيق بهم فهؤلاء أولى بالسخرية. * الفرق بين استهزأ بـ وسخر من في الاستعمال القرآني: - الاستهزاء هو المزح في خفية وهو جانب من السخرية. - الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا﴾ ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾ ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ﴾، أما السخرية لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص تحديداً ﴿سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ . - السخرية لم ترد إلا من فعل يفعله الشخص أما الاستهزاء فقد يستهزأ به من غير فعل، مثلاً نوح يصنع الفلك وهم سخروا من فعل يفعله، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (٧٩) التوبة) هذا فعل، أما الاستهزاء فليس كذلك.

ﵟ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﵞ سورة هود - 38


Icon