الوقفات التدبرية

آية (٤٩) : (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا...

آية (٤٩) : ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ * هذا دليل آخر على النبوة بعد أن ذكر الدليل البياني ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ تحداهم ثم لم يستجيبوا فألزمهم الحجة، الآن ذكر أحداث قصة ما كان يعلمها هو ولا قومه فمن علّمه إياها؟ الله الذي أوحى إليه! * لم يقل تلك من الأنباء نوحيها إليك لأن (تلك من الأنباء) يعني نبأ علِمه الناس أو جهلوه لكن من أنباء الغيب يعني أنها ما كان يعلمها هو ولم يكن يعلمها أحد. * في سورة يوسف ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ﴾ وفي سورة هود ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ﴾ : في سورة يوسف قوله تعالى في أول السورة ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ(3)﴾) كلمة القَصص مذكر مثل كلمة عدد وكلمة قَصص مذكر وهي ليست جمع قصة وإنما القَصص هنا بمعنى السرد أي بمعنى اسم المفعول أي المقصوص. وهي قصة واحدة هي قصة يوسف فجاءت الآية باستخدام ﴿ذلك﴾ (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)) . في سورة هود مجموعة من قَصص الأنبياء فاقتضى أن تأتي الآية باستخدام ﴿تلك﴾ . * ﴿نُوحِيهَا إِلَيْكَ﴾ أي نحن الذين أخبرناك بها ليست جهة أخرى وهذ تأكيد آخر. * ﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا﴾ نفاها بـ ﴿ما﴾ لم يقل لم تكن تعلمها، ﴿ما﴾ آكد من ﴿لم﴾ لغة، توكيد في النفي لأنه قطعًا ما كان يعلمها. * ﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ﴾ ﴿أنت﴾ توكيد للفاعل، هذا زيادة في التوكيد لأن الأمر في الغيب ما أحد علّمه. * ﴿وَلاَ قَوْمُكَ﴾ جاء بـ ﴿لا﴾ زيادة في التوكيد أيضًا تفيد القطع بعدم علمه هو وعلمهم هم على سبيل الاجتماع أو الإفراد. * ﴿مِن قَبْلِ هَـذَا﴾ ﴿من﴾ ابتدائية يعني أنت تعلمها الآن فقط بعد هذه الآية. ﴿من قبل هذا﴾ يعني بداية العلم من الآن، إذا قال ﴿قبل هذا﴾ يحتمل قبل هذا بزمن، مدة غير محددة طويلة أو قصيرة، ﴿من﴾ يعني من الآن،. * ﴿فَاصْبِرْ﴾ ذكر له صبر نوح هذه المدة الطويلة ٩٥٠ عامًا فكانت العاقبة الحسنى فأنت أيضًا إصبر حتى تنال العاقبة المحمودة. * هنا ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ﴾ أكّد بـ﴿إن﴾ مع أنه في الأعراف و القصص لم يؤكد: في القصص (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)) الدار الآخرة يعني العاقبة الحسنة هل دخول الجنة خاص بالمتقين؟ الأمر فيه سعة حتى عصاة الموحّدين يدخلونها إذن ليست للمتقين حصرًا لذلك لم يؤكد، لكن لما يذكر المتقين يعني فيهم إيمان. في الأعراف لم يؤكد (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)) القائل هو سيدنا موسى لقومه لم يؤكد لهم أن يرثوا الأرض وإنما قال (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ... (١٢٩)) المقصود خلافة الأرض في الدنيا وهذا غير مؤكد فهو لا يعلم قال ﴿عَسَى﴾ إذن ليس في مقام توكيد، ولو كان استخلافًا في الأرض فهو ليس استخلافًا على الدوام لأنه دين منسوخ فيكف تكون عاقبة الأرض لهم؟! لكن ربنا أكد الاستخلاف في الأرض للمؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ... (٥٥) النور) فالكلام من سيدنا موسى، بينما هنا في هود الكلام من الله سبحانه وتعالى فأيّ الذين ينبغي أن يكون آكد؟. * ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ وليس للصابرين فالمتقون يشملون الصابرين وزيادة، لاحظ لما قال (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ .. وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ .. وَآتَى الْمَالَ .. وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ .. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ .. وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧) البقرة) الصابرين هم قسم من المتقين، هو وصف واحد من أوصاف المتقين، لذلك في كل القرآن لا تجد العاقبة للمؤمنين ولا العاقبة للصابرين، إنما ﴿للمتقين﴾ أعمّ تشمل صفات أشمل، لا بد أن يكون متقيًا.

ﵟ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﵞ سورة هود - 49


Icon