الوقفات التدبرية

آية (٥٧) : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ...

آية (٥٧) : ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ * ارتباط الآية بما قبلها: ذكر لهم قبلها من الخير الذي وعدهم به إن آمنوا يرسل السماء مدرارًا ويزدهم قوة ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ أعطاهم أشياء وأيضاً هددهم إن أعرضوا، فذكر الترغيب والترهيب. * أحيانًا يقول ﴿تَوَلَّوْاْ﴾ وأحياناً يقول ﴿تَتَوَلَّوْا﴾ : هذا الحذف في اللغة جائز للتخفيف، أصل الفعل تتولوا مثل تنابزوا وتتنابزوا، تفرقوا وتتفرقوا، وفي التعبير القرآني تتولوا في الموقف الأشد وتولوا في الموقف الأخف (وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (٥٢)) بتائين، ماذا قالوا له؟ ﴿قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ(54)﴾ بينما قال (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ (٥٧)) بتاء واحدة لأنهم ما قالوا شيئاً ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾. * ﴿مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ أرسلت به هنا جاء بالعائد وليس كما في ﴿تُشْرِكُونَ﴾، الأشياء التي أرسلت بها بلغتها لكم، أنا لم أبلغكم بإرسالي أني رسول وإنما الأشياء التي أرسلت بها بلّغتها لكم. * ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا﴾ هذا تهديد لهم لأنه سبق أن ذكّرهم بأنه استخلفهم بعد قوم نوح (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ (٦٩) الأعراف) يعني انتبهوا هذا ليس فقط تبليغ وإنما هذا تهديد لهم إن لم يستجيبوا لما أمر الله به، حتى يكون مدعاة لسرعة الاستجابة. * هنا أكدها بـ ﴿إن﴾ وفي سورة سبأ (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)) بدون تأكيد: في سورة هود المقام تحدي وكلام بينهم وبين الرسول وهو تحداهم وهددهم بالاستئصال ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ هذا كله ناسب السيطرة. في سورة سبأ المقام مختلف الكلام ليس كلام رسول مع قومه وإنما كلام عام عن سبأ (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ (١٥)) لم يذكر رسول ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ (20)﴾ ما ذكر اصطدام مع رسول ولذلك ما احتاج إلى توكيد. * هنا قال ﴿إِنَّ رَبِّي﴾ فقط وقبلها قال ﴿اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم﴾ : لما قال ﴿رَبِّي وَرَبِّكُم﴾ ذكر قبلها الله قال ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ﴾، هنا قال ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ ذكر ربه الذي أرسله، لو قال ربكم لربما احتملت أربابهم هم التي يبعدونها، هم يعلمون أنه لا يؤمن بأربابهم فقطع هذا الأمر حتى لا يدع لهم مجالًا. * هنا قال ﴿عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ وليس ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ كما في الشورى لأن الحفظ ليس مقصوراً عليهم وإنما عليهم وعلى غيرهم، فيها قصر من حيث اللغة فاختلفت الدلالة، أما حفيظ عليهم فقط إخبار. * ﴿حَفِيظٌ﴾ تجمع عدة معاني: الإحاطة محيط بالأشياء كلها لا يغفل عن شيء، الرقابة رقابته مستغرقة للجميع، ، قد يكون بمعنى الحافظ ومعنى الحاكم والمستولي، فيها سيادة وفيها تمكن وسيطرة وفيها رقابة وسلطة وفيها حكم.

ﵟ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﵞ سورة هود - 57


Icon