الوقفات التدبرية

آية (٥٨) : (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ...

آية (٥٨) : ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ * في الأعراف قال ﴿فَأَنجَيْنَاهُ﴾ وفي هود قال ﴿نَجَّيْنَا﴾ : نجَّى بالتشديد على صيغة فعّل فيها التكرار والتكثير والمبالغة، وما دام هناك تكثير صار هناك لبث وقت أطول فتستعمل للتمهل والتلبث في التنجية، أنجى فيها سرعة مثل علّم وأعلم، علّم يحتاج لوقت علمته الحساب، وأعلم مباشرة يعني أخبرته هذه آنية، حتى لو كان في القصة الواحدة السياق هو الذي يحدد فعندما نذكر الأمر بصورة سريعة نقول أنجى يذكرها بسرعة يطوي الأحداث، ولما نبدأ نفصّل نقول نجّاهم. في الأعراف أول مرة نزلت كان الموعد قصير في بداية الدعوة ليس هناك لبث. في هود بعدما أصبح هنالك زمن وصار لبث ومحاورة وكلام فاستعمل ﴿نجيّناه﴾ . * تقديم سيدنا هود على الذين آمنوا معه لأنه هو الأول، هو الرسول فبدأ به وهو الذي علّمهم والذي طلب منه أن يخرج المؤمنين هو أوحي إليه ثم بلّغ. * هنا ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ وفي الأعراف ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ : في الأعراف السياق قبلها في قصة نوح عندما ذكر أنه أغرق الذين كذبوا بآياتنا معناها أن المؤمنين نجوا (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا (٦٤)) وكذلك في قوم هود ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ لم يذكر ﴿آمنوا﴾ ثم قال (وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (٧٢)) لما قطع دابر الكفار معناه أنه نجّى من آمن ﴿وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ يعني الذين كانوا مؤمنين نجوا، فأثبت الإيمان لمن معه. في هود لما ذكر ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ لم يذكر الآخرين ولم يصفهم بعدم الإيمان كما في الأعراف ولم يذكر العقوبة، فذكر صفة الإيمان لمن معه، في الحالتين أثبت الإيمان. * كرر التنجية ﴿نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ثم قال ﴿وَنَجَّيْنَاهُم﴾ : الرأي الأول: هو ذكر أول مرة النجاة إجمالاً ثم ذكر وصفاً آخر من أي شيء نجاهم ؟ من عذاب غليظ. الرأي الثاني وهو الأرجح أنهما تنجيتان تنجية من الدنيا من الهلاك والتنجية الثانية ستكون من عذاب غليظ يوم القيامة فالقرآن الكريم وصف عذاب الآخرة بأنه عذاب غليظ في عدة آيات. * لم يكتف بكلمة عذاب وإنما وصفه بـ ﴿عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ : العذاب يختلف أحياناً العذاب ليس شديدًا لكنه مهين تهين أحدهم أمام الناس بشيء قليل قد لا يكون أليمًا في الجسد لكن يكون أليمًا في النفس من الإهانة، قد يكون العذاب بعضه أشد من بعض، وبعضه أكثر إيلاماً من بعض وبعضه أكبر من بعض وبعضه أعظم من بعض وبعضه أدوم من بعض، العذاب أنواعه متعددة وآثاره متعددة. * الملاحظ أن هناك تناظر في الآية، هو ذكر التنجية مرتين وذكر في الآية الأخرة اللعنة مرتين (وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ (٦٠)) .

ﵟ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﵞ سورة هود - 58


Icon