الوقفات التدبرية

آية (٦٣) : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً...

آية (٦٣) : ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ * بعد أن ذكروا أنهم في شك ناقشهم بأمرين الأول أمر عقلي منطقي في هذه الآية والأمر الآخر ملزم قائم على الحجة في الآية التي تليها وهي المعجزة، المنطق ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ إفترضوا أن الله أرسلني حقًّا لست مدّعيًا أنا نبي إذن من يعصمني منه وينجيني منه إن خالفته وعصيته؟. * قدّم ﴿مِنْهُ﴾ على ﴿رَحْمَةً﴾ مع أنه في قصة سيدنا نوح قدّم رحمة ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾ : بحسب الاهتمام، الآية ﴿وَآتَانِي مِنْهُ﴾ يعني من الله، إذن الكلام على الله سبحانه وتعالى وليس على الرحمة بدليل قوله ﴿فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ فقدّم ما يتعلق بالله، بينما الآية الأخرى (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (٢٨)) الكلام على الرحمة فقدّم الرحمة. * قال ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ وليس (إن عصيته كنت خاسرًا) : التخسير مصدر خسّر، فعّل - مصدره تفعيل، يفيد المبالغة والتكثير مثل كلّم تكليم ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾، خسارًا من خسِر خسار وخُسر وخسران وخسارة، في الآية هذه العبارة تدل على الزيادة في الخسارة قال ﴿تَزِيدُونَنِي﴾ هذه زيادة وقال ﴿تَخْسِيرٍ﴾ زيادة في الخسران وجاء بـ﴿غَيْرَ﴾ لو قال كنت خاسرًا لا يؤدي هذا المعنى. * الفرق بين الخُسر والخَسار والخُسران والتخسير: الخُسر يستعملها عامة للقليل والكثير ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)﴾ ﴿وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾ عامّة للقليل والكثير. الخَسار يستعملها في الزيادة في الخسارة ولذلك لم يرد إلا في الزيادة ﴿وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾ ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا﴾ ﴿وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾ ناسب بين الزيادة والزيادة في الكلمة. الخُسران يستعملها لأعظم الخسارة، أقوى من الخَسار ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ الخُسران هذا أكثر شيء ولذلك أضاف حرفين (الألف والنون) على الخُسر. التخسير مصدر خسّر، فعّل - مصدره تفعيل، يفيد المبالغة والتكثير، ولم يرد إلا في هذه الآية. * ما قال ما تزيدونني إلا خسارًا كما قال في مواطن أخرى، جاء بالتخسير الذي هو مضاعفة الخسران والتكثير والمبالغة، لأنه لما افترض عليهم في المناقشة أنه نبي مرسل وآتاه منه رحمة ثم عصى، فالخسارة عنده أعظم من أيّ واحد آخر لم تأته نبوة وعصى. * جاء نفى بالاسم ﴿غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ للمبالغة في الخسران.

ﵟ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ﵞ سورة هود - 63


Icon