الوقفات التدبرية

آية (٦٩) : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى...

آية (٦٩) : ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ * قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم: لها أكثر من جانب في القرآن؛ مع قومه ومع النمرود ومع أبيه وبناء الكعبة مع سيدنا إسماعيل الذبيح، وجانب البُشرى، وحتى لما جاءته رسل ربه أحيانًا يذكرهم بصورة ضيف أو بصورة رسل، ثم بشرى له أو لزوجه بالولد ثم هي تكون مدخل إلى قصة لوط، وجانب البُشرى والمجيء على هذا الضيف ورد في ثلاث سور في هود والحجر والذاريات وهنالك إشارة يسيرة في العنكبوت لكن ليس فيها تكرار فيها جانب واحد فيها تبسُّط في بعض المواضع ويطوي جوانب أخرى: - هنا وفي العنكبوت ذكر أنه جاءته رسل ربه، (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (٣١) العنكبوت) ، في سورتي الحجر والذاريات التسمية اختلفت ذكر أنهم ضيفه (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (٥١)) (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)) . - ذكر التحية ورد التحية في هود والذاريات ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ ﴿فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾، في الحجر ذكر تحيتهم لكن لم يذكر الرد ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ ما ردّ السلام قال إنا منكم وجلون، في العنكبوت لم يذكر لا تحية ولا ردّ تحية لم يذكر ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ دخول مباشر إلى قصة لوط بعد المجيء بالبشرى. - ذكر تقديم الطعام لضيفه في هود والذاريات، جاء لهم بعجل حنيذ أو سمين لم يذكر ذلك في الحجر، وذكر في الذاريات أنه دعاهم إلى الأكل قال ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ وفي هود لم يذكر ولكن عندما رآهم لا يمدون أيديهم إلى الطعام نكرهم وأحس منهم خيفة فقط. - ذكر في هود أن امرأته كانت قائمة وأنها ضحكت بعد ذكر الرسل أنهم أرسلوا إلى قوم لوط ولم يذكر ذلك في أي موضع آخر. - في هود ذكر أنهم بشروها هي بالولد ﴿فَبَشَّرْنَاهَا﴾ في حين أن البشارة كانت لإبراهيم في الحجر والذاريات ﴿وَبَشَّرُوهُ﴾. - في هود بشروه بولد وبولد الولد من بعده هم إسحاق ويعقوب وحينما كانت البشرى في الحجر والذاريات بالولد لم يذكر ولد الولد. - ذكرت البشارة اسمي الولد وولد الولد في هود (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١)) لم يذكر ذلك في الحجر والذاريات قال ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ لم يذكر اسم. - في هود ذكر اسم العلم إسحاق ويعقوب هنا ذكر صفة وهناك العلم. - في هود ذكر عجب امرأة سيدنا إبراهيم ومحاورتها للملائكة (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢)) وتبسّطت في ذكر العجب ولم يذكر ذلك في الحجر، أما في الذاريات فلم تزد على أن (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)) فقط أما في هود كان هنالك حديث وضحك وتبسط في الحديث وكلام عن البعل. - ذكر في الحجر محاورة إبراهيم للملائكة في هذه البشرى كيف أنهم بشروه بعد أن مسّه الكِبَر ولم يذكر ذلك في أي موضع آخر، بل تفرّد به الحجر، في هود والذاريات كان الكلام فيما يتعلق بالبشرى بين زوجه والملائكة وليس بينه وبين الملائكة. - ذكر تبسط الملائكة في الكلام مع زوج إبراهيم في هود ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ فهو يتعلق بالعجب ولم يذكر ذلك بالذاريات (قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)) ﴿كذلك قال ربك﴾ . - في الحجر والذاريات سألهم ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ بينوا له السبب في حين في هود هم ذكروا ابتداءًا ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ وكذلك في العنكبوت. - التبسّط والإكرام سواء كان لإبراهيم أو الملائكة نلاحظه في سورة هود أكثر، ففي سورة هود عجل بذكر البشرى له قبل ذكر الخوف في حين كانت البشرى بعد التصريح بالخوف كما في الحجر والذاريات. * هم مرة سلموا عليه ومرة ردّ ومرة سلموا ومرة ما ذكر أنه ردّ السلام هل هو ردّ أم لم يرد؟ هم بشروها؟ أم بشروه عليه السلام؟ جاء بعجل سمين أم حنيذ؟ مرة سألهم أم لم يسألهم؟ هذه ليست متضادة وإنما أحيانًا يذكر في موضع وأحيانًا ما يذكره كأي موقف نحن في مواقفنا في الحياة تفيض في جانب معين والباقي إما لا تشير إليه أو تشير إليه بإيجاز، هو ما قال ما رد التحية لم يقل هم حيوه وهو لم يرد التحية ما قال هذا وإلا سيكون هناك تناقض وتعارض وإنما قال سلّم عليه، كما نقول نحن والله ذهبنا إلى فلان وسلمنا عليهم ورحبوا بنا وأهلًا وسهلًا وتفضلوا واستريحوا الخ ، ومرة تقول ذهبنا وسلمنا عليهم وقعدنا ورجعنا وهم بخير، هم بشروا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبشروا زوجه، والحنيذ سمين وزيادة. * ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾ تغير نمط بداية القصة ولم يقل وإلى عاد أخاهم كذا وإلى مدين أخاهم كذا: الغرض من ذكر تلك القصص مختلف فبالنسبة للرسل أرسلهم إلى أقوامهم لتبليغهم الدعوة هود ونوح وشعيب ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ وهكذا، والأمر هنا ليس كذلك وإنما الغرض من المجيء البشرى وإخباره أنهم أرسلوا إلى قوم لوط فقط، الإرسال إلى قوم لوط وليس إلى سيدنا إبراهيم ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾، هي محطة في الطريق. * ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ سلامًا تعتبر جملة فعلية نسلم سلاماً، مفعول مطلق، قال سلامٌ هذه اسمية، والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الفعلية والاسم أقوى وأثبت من الفعل يجتهد ليس مثل المجتهد، والله تعالى يقول ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ فهو حيّاهم بخير من تحيتهم. * دلالة استعمال المصدر المؤول ﴿أَنْ جَاءَ﴾ : الاحتمال الأول أن إبراهيم هو نفسه الفاعل صاحب الشأن هو الذي جاء فما أبطيء في المجيء أو عن المجيء، والاحتمال الثاني أن يكون الفاعل المصدر يعني فما تأخر مجيئه، وطبعًا لم يذكر حرف الجر ما قال (في أن جاء) ولا (عن جاء) لأنه سينحصر المعنى بواحد قطعًا، وهذا توسع ففيه ثلاث معاني، ما أبطأ لا هذا ولا ذاك . * الفرق بين ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ و ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ : - الحنيذ هو السمين الحارّ المشوي على حجارة يقطر دهنه فلما تقول حنذته يعني شويته على حجارة وجعلت فوقه حجارة وحارة حتى ينضج نضجًا جيدًا، الحنيذ لا بد أن يكون سمين أساسًا، ولكن السمين ليس بالضرورة أنه مشوي ممكن أن يكون حيًا ويمشي، ولابد أن يكون حارّا يعني مشوي بارد لا يسمى هذا حنيذ، وهذه الأمور دلالة على الإكرام.

ﵟ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﵞ سورة هود - 69


Icon