الوقفات التدبرية

آية (٧٦) : (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ...

آية (٧٦) : ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ * حذف القائل هنا كأننا نسمع القول هكذا نداء، ما قال قلنا أو قيل أو قالوا، لا شك أنه الله سبحانه وتعالى لكن محتمل أن يكون ربنا هو الذي قال هذا ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ بدليل ﴿يُجَادِلُنَا﴾ ومحتمل أن تكون الملائكة ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ فهو حدث يحتمل الأمرين، المهم ليس مَنْ القائل ولكن ماذا قيل له. * ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ وليس مثلاً إن أمر ربك قد جاء: ﴿إِنَّهُ﴾ الهاء هنا ضمير الشأن ويقال للتفخيم والتعظيم في الأمور المهمة، وقيل هنا دلالة على أن الأمر عظيم لأنه لو قال إن أمر ربك قد جاء ليس فيه يعني ما يدل على التعظيم. * ﴿قَدْ﴾ التي تدخل على الفعل الماضي تفيد التحقيق والتوقع والتقريب في الغالب يعني تتوقع الشيء ويحصل، يعني قد تحقق وقوعه. * ﴿آَتِيهِمْ عَذَابٌ﴾ مع أن العذاب لم يأتِ بعد! هم ما عذّبوهم ولم يذهبوا إلى قوم لوط بعد! لكن جاء الأمر ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ والأمر غير العذاب فالأمر بذلك حصل، بقي تنفيذه، واستخدم صيغة ﴿آَتِيهِمْ﴾ دلالة على ثبوت العذاب وأنه سيقع لأن اسم الفاعل قد يستعمل للاستقبال ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ﴾ لكن يدل على ثبوت هذا الأمر وأنه هو حاصل. * ﴿غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ للتأكيد فقد يرفع بعض العذاب ويقع بعضه، لكن ﴿غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ العذاب واقع لا محالة. * هذه الآية تقريبًا جاءت بكل ما يدل على التأكيد والتفخيم والتعظيم أن العذاب واقع واقع لا محالة كما صدر به الأمر: - قال ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ حذف فعل القول. - قال ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ ما قال له كُفّ عن الكلام في هذا الأمر لأن الإعراض أبعد عن الكفّ، أعرض عنه يعني صد عنه تولى عنه ليس مجرد ترك الكلام والسكوت إنما ترك الموضوع والابتعاد هذا أقوى وآكد. - جاء بـ﴿إن﴾ يؤكد أنه وضمير الشأن معها. - جاء بـ﴿قَدْ﴾ تحقيق وتوقع. - أدخلها على الفعل جاء الذي هو لما أشق وأشد من أتى. - ﴿وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ﴾ أيضاً فيها تأكيد. - ﴿جَاءَ أَمْرُ﴾ والأمر يدل على الشأن ومحتمل أحد الأوامر. - ﴿رَبِّكَ﴾ الرب المعلم والموجه الذي لا يفعل شيئًا إلا عن حكمة، أتجادل ربك الذي علمك كيف تجادل، وعلمك أحاسن الأمور! - قال ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أيضاً جاء بـ﴿إن﴾ وأدخلها على ضمير ﴿هم﴾ قوم لوط وقال ﴿آَتِيهِمْ﴾ اسم الفاعل. - قوله تعالى ﴿وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ يحتمل دلالتين من حيث اللغة والإعراب: ----- الأولى إن ﴿آَتِيهِمْ﴾ خبر مقدم و﴿عَذَابٌ﴾ مبتدأ مؤخر يعني عذاب آتيهم، وقدّم الخبر للقصر ليس إلا ذلك. ----- الثانية يحتمل ﴿آَتِيهِمْ﴾ خبر ﴿إن﴾ إنهم آتيهم و﴿عَذَابٌ﴾ فاعل لاسم الفاعل، للدلالة على الثبوت. - قال ﴿غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ ولم يقل ليس مردودًا، نفى بـ﴿غير﴾ وهي اسم و﴿ليس﴾ فعل والاسم أقوى من الفعل. - لم يقل لا يُرد، جاء بالاسم ﴿مَرْدُودٍ﴾ وهو أقوى وآكد وأثبت من الفعل في التعبير مثل ﴿آَتِيهِمْ﴾. * قال ﴿وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ لم يأتِ بضمير الشأن إنه آتيهم عذاب غير مردود: نحن ذكرنا احتمالين لآتيهم خبر مقدم أو خبر إنّ ولو أنه أدخل ﴿إنه﴾ ما يكون إلا احتمال واحد فقط خبر مقدم ومبتدأ مؤخر فقط ما يصير أنه خبر إنّ وهذا فاعل لماذا؟ لأن ضمير الشأن يُخبر عنه بجملة ﴿آتيهم عذاب غير مردود﴾ فسيكون فيها معنى واحد قصر، لكن هذه أوسع وأشمل لها معنيان.

ﵟ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﵞ سورة هود - 76


Icon