الوقفات التدبرية

آية (١٢٢) : (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا...

آية (١٢٢) : (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) * الفرق بين ميْت بالسكون وميّت بالشدة: ميْتاً هذا الميت الحقيقي الذي مات ودفن، أما ميّت فهو من سيقع عليه الموت لا محالة فنحن كلنا سنموت يوماً ونحن من أصحاب القابلية للموت. * هنا قال ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ وفي الحديد قال ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ ولم يقل في الناس: آية الحديد عامة في الدنيا والآخرة ليس المشي في الناس وإنما يمشي به وحده والنور له وحده لا يشاركه به أحد بينما الكلام في الأنعام عن الدنيا اكتنفه الكلام عن الناس أصلاً، وذكر معاملاتهم وافتراءاتهم وضلالاتهم بداية من قوله تعالى (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦)). * قال هنا ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وفى سورة يونس ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ : آية يونس تقدم قبلها (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١۲)) ذكر سبحانه من حال الإنسان المتذكر الداعي عند مس الضر غير مشرك ولا كافر، والمسرف هنا المسرف فى المعاصى دون الكفر، مع مروره فى المخالفات أو الغفلة فأعقب ذكر هذا بقوله تعالى ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ أى أن هؤلاء زين لهم لمرتكبهم بعد كشف الضر عنهم بأحوال المسرفين ليزدجر المؤمن ويستعيذ من مثل تلك الحال ويدأب على الطاعة والتضرع إلى الله سبحانه. آية الأنعام - تقدم قبلها (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا) والمراد أو من كان ميتا فى غمرات الجهل والكفر فأحييناه بنور الإيمان والعلم كمن مثله فى ظلمات الجهل والكفر متماديًا لا يجدي عليه إنذار ولا ينتفع بوعظ، فوسمه الله بالكفر لليأس من خيره فقال ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾. - ذكر فىها طرفين قد بولغ فيهما وهما ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ المجعول له نور لا يفارقه، و﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ المتخبط فى ظلمات لا يخرج عنها فلا يمكن أن تكون أسوأ حالاً من هذا، لأن ذكر الطرفين بلا واسطة بينهما يقتضى من حيث البلاغة النهاية فى كل طرف فعبر هنا بصفة الكفر أما حال المسرف من حيث ما ذكرنا من الاحتمال فدون حال المتخبط فى الظلمات فالإسراف فيما دون الكفر فيكون المتصف به غير منقطع الرجاء إذا لم يبلغ الكفر، كما قال تعالى ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ ، فشتان ما بين مسرف راج ومتخبط فى ظلمات الكفر.

ﵟ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﵞ سورة الأنعام - 122


Icon