الوقفات التدبرية

آية (٩٨-٩٩) : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ...

آية (٩٨-٩٩) : ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99)﴾ * إختار ﴿إذا﴾ كأداة شرط وليس ﴿إن﴾: ففي لغة العرب ﴿إن﴾ فيما يقل أو يندر احتمال وقوعه أما ﴿إذا﴾ فيما يكثر حدوثه، ومعنى هذا أن الأصل أن تقرأ القرآن. * دخلت ﴿إذا﴾ على الفعل الماضي ﴿قَرَأْتَ﴾ فقرّبته من المستقبل إلى واقع الحال يعني قراءتك للقرآن مسألة قريبة قائمة. * إستعذ : أمر من الفعل إستعاذ وهذه صيغة إستفعل فيها معنى الطلب والسعي في الشيء، فهِم غير إستفهم أي سعى طالباً الفهم فيها جهد. ما قال القرآن: فقل أعوذ بالله، لأن ذاك تلقين ليس فيه جهد، والآية تريدنا أن نبذل جهداً في الإستحضار والتفكر بالإستعاذة بالله سبحانه وتعالى. والفاء ﴿فاستعذ﴾ فيها معنى اللجوء والاندفاع الى حصن حصين الى الله تعالى. * ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ جاء بلفظ الجلالة فهو يحتمل كل الصفات لكن لما تقول القادر يخطر في بالك صفة القدرة، الرحمن صفة الرحمة، الكريم صفة الكرم. * القرآن الكريم إستعمل كلمة الشيطان ما قال إبليس لأمرين: أولاً: إبليس هو اسم أبو الشياطين الذي أبى أن يسجد لآدم وأول من عصى ربه تعالى فليس شرطاً أن يكون هو الذي يأتي ليوسوس لك لأن له ذرية وكل إنسان وُكّل به شيطانه. ثانياً: كلمة إبليس من البَلَس وهو نوع من الاختباء ففيها معنى الإنكسار والخذلان والحزن بينما الآية تريد أن تحذّر. * كلمة ﴿الشَّيْطَانِ﴾ من الشطن الذي هو الحبل الممتد يعني أن هذا الشيطان يمتد إليك فكن حذراً منه لكن حتى لا يغالي الإنسان في كثرة الخوف منه جاءت كلمة الرجيم وأكد على ضعفه في الآية التالية. * ﴿الرَّجِيمِ﴾ ما قال الشيطان اللعين أو غيره وهذا الوصف هنا هو أنسب الأوصاف للشيطان حتى تتخيل صورته وهو يُرجم بالحجارة فكأنه منشغل بنفسه، فكلمة شيطان فيه حبل ممتد إليك حتى لا تتهاون في شأنه وكلمة رجيم حتى لا يبلغ بك الخوف منه مبلغاً عظيماً فهو رجيم مرجوم. * هل من فرق بين الرجيم والمرجوم؟ عندنا لغتان: فعيل ومفعول، فعيل نسميها صفة مشبهة كأن الرجم لازم له صفته اللاصقة به ، أما المرجوم فقد يكون مرجوماً الآن لكن قد لا يكون مرجوماً بعد ساعة. * نقف عند المناوبة بين الفردية والجماعية في آيات سورة النحل: الفردية ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾ ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ ﴾ الفردية في الحياة الطيبة للإنسان ، ثم الجماعية ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ ثم انتقل الى الفردية ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ﴾ اللجوء الى الله تعالى والاستعاذة والاتكال عليه تخلصاً من كيد الشيطان فردية لأنه ينبغي على المسلم أن يلجأ بمفرده الى ربه ، ثم الجماعية ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ فدخوله الجنة والجزاء لن يكون فرداً وإنما يكون في جماعة وفي زمرة.

ﵟ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﵞ سورة النحل - 98


Icon