الوقفات التدبرية

* اللمسة البيانية في استعمال الأفعال المضارعة في أول الآيات وآخرها...

* اللمسة البيانية في استعمال الأفعال المضارعة في أول الآيات وآخرها واستعمال ثلاثة أفعال ماضية في وسطها: يَتَذَكَّرُ - يُوفُونَ - يَنْقُضُونَ - يَصِلُونَ - أَمَرَ - وَيَخْشَوْنَ - وَيَخَافُونَ - صَبَرُوا - وَأَقَامُوا - وَأَنْفَقُوا - رَزَقْنَاهُمْ - وَيَدْرَءُونَ. يعبّر بالفعل الماضي عما كان له وقت محدد كالصلاة والزكاة لها أوقات محددة أو عما يكون سابق لكل هذه الأوصاف كالصبر لأنها كلها تحتاج إلى صبر فهو أسبق منها جميعًا فعبر عنه بالماضي، وما عدا ذلك هو مستمر ﴿يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ ... ليس لها وقت، ومن خصوصيات التعبير والبيان القرآني أن الصبر لم يأت صلة موصول بغير صيغة الماضي قال ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ . * ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أطلق ولم يذكر ﴿بالغيب﴾ : الخشية بالغيب جزء من الخشية العامة، وعندما يطلق الخشية يطلق الوصف ويطلق الأجر. آية الرعد مطلقة بدون ﴿بِالغَيْبِ﴾ فأطلق الوصف: - وصفهم بأنهم أولو الألباب وقصّر التذكر عليهم ﴿إِنَّمَا﴾ أداة قصر ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ . - ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ هذا وصف عام يشمل جميع كل ما أمر الله به. - ﴿وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ . - ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ . - ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ . - ﴿وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ . - ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ . - ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ هذه مطلقة بالغيب وزيادة ﴿سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ . - ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ . - جزاؤهم ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ(23)﴾ يدخل معهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم يحيونهم ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ . لو نظرنا في جميع الآيات التي ورد فيها قوله ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ﴾ تشمل جزء مما ذكر في سورة الرعد: في الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩)) ذكرًا للمتقين، يخشون ربهم بالغيب، من الساعة مشفقون، ما ذكر في الرعد أكثر. في فاطر (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨)) أمران يخشون ربهم وأقاموا الصلاة هذه جزء مما ورد في سورة الرعد. في الملك (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)) فقط يخشون ربهم بالغيب لم يذكر شيئًا آخر. في ق (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (٣٣)) لم يذكر عبادة بدنية مثل الإنفاق وإقامة الصلاة، كلها عبادات قلبية (أواب، حفيظ، قلب منيب) فسورة الرعد أعمّ. في يس (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)) - قال ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ ولم يذكر صفات أخرى، لكن في سورة الرعد ذكر اتباع الذكر على درجة الإحسان؛ أنت عندما تنفق تكون اتبعت الذكر لكن هؤلاء ما اكتفوا وإنما أنفقوا سرًا وعلانية هذا ليس مجرد إتّباع هذا إحسان في الانفاق، ولما قال ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ هذا إحسان في الإتباع، لاحظ (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا (٤٠) الشورى) هذا اتّباع (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (٤٠) الشورى) هذا أعلى، ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ هذا أعلى، هذا إحسان في الإتباع وليس اتباعًا فقط، إذن صارت آية يس جزء مما ورد في الرعد. - حتى الجزاء في آية الرعد أعلى ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(24)﴾ بينما في يس قال ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ الأجر هو الجزاء على العمل ولا يعني الجنة بالضرورة قد يكون في الدنيا. آية الزمر ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ اقشعرار الجلود ولينها أمر داخلي ولين القلوب لا يشعر بها غير صاحبها وربنا سبحانه وتعالى، إذن دخل فيها ﴿بالغيب﴾ فإذا قال هنا بالغيب لا تفيد ليس لها هنا موضع أصلًا. * ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ﴾ ما قال صلُح قال من صَلَح رأفة بالعباد، صلُح أي صار صالحًا إلى حد كبير من الصلاح والله تعالى من رحمته بعباده يكفيه أن يكون الإنسان صالحًا لا أن يبلغ ذلك المبلغ في الصلاح.

ﵟ ۞ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﵞ سورة الرعد - 19


Icon