الوقفات التدبرية

آية (٩) : (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...

آية (٩) : ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ * دلالة استخدام إسم الإشارة ﴿هَـذَا الْقُرْآنَ﴾ في الآية بينما في سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢)) : إسم الإشارة قد يستعمل لتعظيم وأحياناً يستعمل نفس الإسم في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق: - ﴿هذا﴾ تستعمل في المدح والثناء "هذا الذي للمتقين إمام" ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١) الفرقان). - ﴿ذلك﴾ تستعمل في المدح (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (٣٢) يوسف) ، وأحياناً في الذم تقول ذلك البعيد لا تريد أن تذكره. - لم ترد الإشارة إلى القرآن إلا بـ ﴿هذا﴾ ولم ترد ﴿ذلك﴾ في جميع القرآن. لماذا؟ القرآن من القراءة والقراءة تكون من قريب، الكتاب ليس قراءة وإنما قد يكون بعيد في مكان آخر وهو في اللوح المحفوظ يسمى كتاباً، فالكتاب فيه بعد متصور ولما يقول أنزلنا يقول كتاباً، أما القرآن فيكون قريباً حتى يُقرأ. ولذلك لا تجد في القرآن الكريم الإشارة إلى القرآن بالبعيد. آية سورة البقرة ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ إشارة إلى علوه وبعده عن الريب وأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يؤتى بمثله. آية سورة الإسراء ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ : - أولاً لما ذكر في هداية الناس ومعرفتهم بأحكامه ينبغي أن يكون قريباً حتى يفهموه وإلا كيف يهتدون به ؟. - لا يحسن في آية الإسراء أن يقول (إن ذلك الكتاب يهدي) لا يصح، لأنه تقدم هذه الاية (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٢)) لو قال (إن ذلك الكتاب) لرجع الكلام إلى التوراة وليس القرآن. - ولذلك قال ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ﴾ إسم العلم حتى لا يشتبه أن المقصود به التوراة البعيدة. * في سورة الإسراء ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ أكّد بينما في سورة الحديد لم يؤكد ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ : أولاً: فواصل الآيات أنسب مع كل واحدة لكن هذا قد يكون سبباً مكملاً لأن المعنى هو السيد وليست الفاصلة. ثانياً: في آية الحديد ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بصيغة الفعل الذي يدل على الحدوث والتجدد، أما في الإسراء ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالإسم الذي يدل على الثبوت، والصيغة الإسمية أقوى دلالة من الفعل. ثالثاً: الإيمان في سورة الحديد خصصه الله تعالى بشيئين الإيمان بالله ورسوله ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، أما في الإسراء ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ جعله عاماً لم يخصصه ولكن كل أركان الإيمان أطلقها ولم يقيدها فجعلها أعمّ. رابعاً: في سورة الحديد ذكر الإنفاق ﴿وَأَنفِقُوا﴾ ولم يذكر غيره من العمل الصالح أما في الإسراء فقال ﴿يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ أعمّ. فلما كانت آية الإسراء أعمّ فلا شك أن المغفرة والأجر الكبير تُؤكّد للأعمّ الثابت لا للجزئية.

ﵟ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﵞ سورة الإسراء - 9


Icon