الوقفات التدبرية

آية (٨٥) : (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى...

آية (٨٥) : ﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ * اختار تعالى كلمة ﴿تَفْتَأُ﴾ دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنى من الإستمرار والدوام: لغويًا: كلمة فتيء من معانيها ﴿سكّن﴾ بمعنى مستمر، ومعناها أطفأ النار (يقال فتيء النار) ومن معانيها أيضاً نسي (فتئت الأمر أي نسيته) إذن كلمة ﴿فتأ﴾ لها ثلاثة معاني سكّن وأطفأ النار ونسي. بيانيًا: فاقد العزيز يسكن بعد فترة، وفاقد العزيز كأنما هناك نارًا تحرق جنبيه والنار التي بين جنبي يعقوب عليه السلام لم تنطفئ مع مرور الأيام، وفاقد العزيز ينسى بعد فترة ويعقوب لم ينسى. إذن تفتأ جمعت كل هذه المعاني المرادة في الآية ولا يؤدي أي لفظ آخر هذه المعاني مجتمعة، والقرآن لم يستعمل هذه الكلمة إلا في هذا الموضع واستعمل (يزال ولا يزال) كثيرًا. * القياس أن يُقال (لا تفتأ) لأن استعمالها نفي أو شبه نفي: القاعدة أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لا بد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل)، وهذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ﴾ ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾، ولأن الذكر آكد من الحذف ولأن الأمر ليس مؤكداً عند إخوة يوسف حذف الـ﴿لا﴾ في الآية لأن إخوة يوسف أقسموا على أمر لا يعلمونه حق العلم بل على أمر يتصورونه فالأمر إذن ليس مؤكدًا أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك ولم يحصل أصلًا في حين في كل الأقسام الأخرى في القرآن الأمر فيها مؤكد، ولذا لم تذكر ﴿لا﴾ في جواب القسم ولقد جاء في الآية ما يفهم المعنى بدون الحاجة لذكر ﴿لا﴾ وهذا ما يُعرف بالتوسّع في المعنى في القرآن الكريم.

ﵟ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﵞ سورة يوسف - 85


Icon