الوقفات التدبرية

آية (٥) : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ...

آية (٥) : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ * كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور: وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر، وإذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل ﴿صبّار شكور﴾ وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط؛ ففي سورة لقمان مثلاً في سياق تهديد البحر قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ...)، أما في سورة الروم فقد قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦)) فجاء بالشكر فقط. * دلالة استخدام صيغة صبّار على وزن فعَّال وشكور على وزن فَعول: صيغ المبالغة : مِفعال: هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء. فعّال: من الحِرفة. والعرب أكثرما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وعطّار ونشّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة ﴿فعال﴾ فكأنما حرفته هذا الشيء وهذه الصنعة تحتاج إلى المزاولة. وعليه فإن كلمة صبّار تعني الذي يحترف الصبر. فعول: مأخوذة من المادة (المواد) تُستعمل في الشيء الخاصة به مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، والبخور وهو ما يُستهلك في التبخير، وعليه فإن كلمة شكور تعني أن من نصفه بالشكور هو كله شكر ويُستنفذ في الشكر كما يُستنفذ الوقود في النار. وكذلك كلمة غفور بمعنى كله مغفرة. أيهما أكثر مبالغة فعول أو فعّال؟ فعول بالتأكيد أكثر مبالغة من فعّال ولذلك فكلمة شكور هي أكثر مبالغة وتعني أنه يفني نفسه في الشكر أما كلمة صبّار فهي بمعنى الحِرفة. أيهما ينبغي أكثر في الحياة الصبر أو الشكر؟ الشكر بالتأكيد لأن الشكر يكون في كل لحظة لأننا في نعمة من الله تعالى في كل لحظةأما الصبر فيكون إما عند الطاعات أو الصبر على الشدائد على عكس النِّعم التي تستوجب الشكر عليها في كل لحظة فالإنسان يتقلب في نعم الله تعالى. ومما تقدّم نقول أنه تعالى جاء بصيغة صبّار للدلالة على الحِرفة وكلمة شكوربصيغة فعول التي يجب أن يستغرقها الإنسان في الشكر للدلالة على أن الانسان يستغرق في الشكر، ويكفي أن يكون الإنسان صبّارًا ولا يحتاج لأن يكون صبورًا. أما صيغة شكور فجاء بها لأن الانسان ينبغي أن يشكر الله تعالى على الدوام وحتى لو فعل فلن يوفّي الله تعالى على نِعَمه.

ﵟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﵞ سورة إبراهيم - 5


Icon