الوقفات التدبرية

آية (١٧) : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا...

آية (١٧) : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ * عبّر تعالى هنا بالذين هادوا ولم يقل اليهود إشارة إلى أنهم الذين انتسبوا إلى اليهود وليسوا اليهود من سبط يهوذا . * وجه الإختلاف البياني بين آية سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)) وآية المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) وآية الحج: من حيث الناحية الإعرابية : النصب في آية البقرة وآية الحج ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ معطوف على منصوب . الرفع في آية المائدة على محل إسم إنّ، فالأصل إسم إنّ قبل أن تدخل عليه مرفوع فهذا مرفوع على المحل، أو يجعلوه جملة معترضة (والصابئون كذلك) . لكن لماذا رفع؟ ﴿إنّ﴾ تفيد التوكيد ، (الصابئون) غير مؤكد والباقي مؤكد لماذا؟ لأنهم دونهم في المنزلة ، أبعد المذكورين ضلالاً والباقون أصحاب كتاب ، الذين هادوا عندهم التوراة والنصارى عندهم كتاب الإنجيل والذين آمنوا عندهم القرآن ، الصابئون ما عندهم كتاب خرجوا عن الديانات المشهورة ، صبأ في اللغة أي خرج عن الدين ، ولذلك هم دونهم في الديانة والاعتقاد ولذلك لم يجعلهم بمنزلة واحدة فرفع فكانوا أقل توكيداً ، وجاءت هذه الآية لتلفتنا أن هذه التصفية تشمل الصابئين أيضاً فقدمتها ورفعتها لتلفت إليها الآذان بقوة ، ولتقطع اليأس فالصابئون كذلك كلهم يغفر لهم إذا تابوا . من حيث التقديم والتأخير في الترتيب : آية البقرة ﴿وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ لم يذم عقيدة النصارى وحشرهم على الجانب التاريخي فذكر اليهود ومن ورائهم بالترتيب التاريخي ووضع الصابئين في آخر المِلل، والذين آمنوا مقدّمون على الجميع . في المائدة ﴿وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى﴾ قدّم الصابئين لأنه ذمّ النصارى في المائدة ذماً فظيعاً على معتقداتهم، تكلم على عقيدة التثليث جعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (٧٢)) (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ .. (٧٣)) فأخّر النصارى حتى تكون منزلتهم أقل لأنه ذمّ عقيدتهم . في الحج ﴿وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى﴾ الكلام على الفصل يوم القيامة ، تحدث عن مطلق الايمان والكفر والحساب يوم القيامة، فلا بد أن تكون متلازمة، فجمعهم وجعل العطف عطفًا طبيعيًا . * الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم: الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما أن يكون بينهما فاصل حاجز فهو يتضمن حكم وفصل. إذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، مثل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معًا إلى جهة واحدة مع بعض وليس هناك فصل، بينما في آية الحج (١٧) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. * في الحج ﴿إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وفي السجدة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٢٥)) : - لفظ الرب ورد في السجدة أكثر مما ورد في الحج لفظ الرب في السجدة ١٠ مرات وفي الحج ٨ مرات. - لفظ الله في الحج ورد أكثر مما ورد في السجدة، لفظ الله في الحج ورد ٧٥ مرة وفي السجدة مرة واحدة.

ﵟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﵞ سورة الحج - 17


Icon