الوقفات التدبرية

الفرق بين (مِنْ عِنْدِنَا) و (رَحْمَةً مِّنَّا) : - (مِنْ عِنْدِنَا)...

الفرق بين ﴿مِنْ عِنْدِنَا﴾ و ﴿رَحْمَةً مِّنَّا﴾ : - ﴿مِنْ عِنْدِنَا﴾ أخص فالقرآن يستعملها مع المؤمنين فقط فمع سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (٢٨) هود)، ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا﴾ ﴿وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ . - ﴿رَحْمَةً مِّنَّا﴾ عامة يستعملها مع المؤمن والكافر مثل (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (٥٠) فصلت) . هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ لا، من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى، إذن ليس هناك تناقض لكن اختيار المفردات بحسب السياق الذي ترد فيه. * ورد هذان التعبيران في نبي واحد هو سيدنا أيوب قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا: قصة أيوب عليه السلام في سورتي الأنبياء وص سورة الأنبياء سورة ص (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)) (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)) ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ وليس الضر بالضرورة وسوسة الشيطان ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ فدخل في نفسه شيء من هذه الوسوسة، وهي خِلاف الأَوْلى فلم يخصص الرحمة ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله برحمته، فهذا يستجيب له فيخصه برحمة لم يذكر رحمته ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ عرفنا تصريحًا أن الله استجاب لهذا الدعاء لم يقل فاستجبنا له ولكن عرفنا ضِمنًا أن ربنا استجاب له ﴿وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ﴾ - الإيتاء في اللغة أعم يشمل الهبة وزيادة، وقد يكون في الأموال وغيرها، ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ آتينا أعم من وهبنا، لا نقول وهبنا ثمود الناقة، ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ لا نقول وهبنا الكتاب، الإيتاء أوسع. - ذكر مشتقات الإيتاء أكثر، وردت ست مرات في الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء (٤٨)) (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ (٥١)) (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (٧٤)) (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا (٧٩)) (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ (٨٤)) (وَإِيتَاء الزَّكَاةِ (٧٣)) ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ﴾ - ذكر الإيتاء مرة واحدة في ص (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠)) - ذكر مشتقات الهبة أكثر (خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩)) (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ (٣٠)) (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (٣٥)) (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ (٤٣)) خمس مرات في ص ومرتين في الأنبياء ﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ - العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، فالعابد يجب أن يكون من أولي الألباب - العبادة والعابدين ، وردت أكثر في الأنبياء عشر مرات - لم ترد أولو الألباب في سورة الأنبياء أصلًا. ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ - قد يكون من أولي الألباب لكن ليس عابدًا - وردت مشتقات العبادة خمس مرات - وردت (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (٢٩)) ﴿رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ رحمة خاصة مناسبة للسياق فكلمة آتيناه وهبنا له وزيادة، رحمة من عندنا تشمل رحمة منا وزيادة، للعابدين تشمل أولي الألباب وزيادة ﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ قصة أيوب في الموضعين ذكرت بعد قصة داوود وسليمان السياق في مقام الثناء (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا (٧٩)) هذا مدح، حكم وعلم. ﴿مِنْ عِنْدِنَا﴾ تتناسب مع السياق الوارد. السياق في في الابتلاءات والفتن فذكر في داوود وسليمان ما هو خِلاف الأوْلى: - في داوود (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤)) معناه هناك فتنة. فاستغفر ربه. - في سليمان (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤)) - وهنا أيضًا ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ في الابتلاء والفتن * قد يقول قائل ماذا قال سيدنا أيوب بالضبط؟ قد يكون قال أكثر من هذا لكن ربنا ذكر هذا فقط، في هذا الموقف قال هذه الجملة وفي ذلك الموقف قال هذه الجملة، هل دعا مرة واحدة.؟ لا، إذن لا تعارض ولا تغاير، لو قال لم يستجب له لصار تعارض.

ﵟ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﵞ سورة الأنبياء - 84


Icon