الوقفات التدبرية

آية (٣٩) : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي...

آية (٣٩) : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) * الفرق بين قوله تعالى ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ وقوله ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ في سورة القصص : القذف هو الرمي والإلقاء والوضع ويأتي بمعاني منها البُعد. أولًا: - في سورة القصص (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠)) نلاحظ قال ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ والإرضاع يستدعي القرب وليس البعد، وقال ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ ولم يقل هذا في طه ثم ذكر أنه ربط على قلبها وهذا يستدعي الهدوء في الإلقاء إذن هي تضعه في هدوء. - في سورة طه لم يذكر هذه الأمور لا ربط على القلب ولا شيء ولا تطمين، ذكر التابوت ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ الضمير يعود على موسى عليه السلام ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ التابوت هو الذي يقذف الضمير يعود على التابوت، إذن موسى محمي، التابوت يقذف ويرمى أما الابن فيقال لها ألقيه لا يقال لها اقذفيه كما في القصص ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، فلما ذكر التابوت ذكر القذف، لا يناسب أن يقال ألق ابنك في البحر ولكن ألقي التابوت. ثانيًا: قال في سورة طه ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى﴾ مبهمة لم يذكر ما يوحى، ثم جاء بـ ﴿أن﴾ المفسرة ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ بيّن ما أوحى إليها، إذن صار إيضاح بعد الابهام، الآن عندما ترى تابوتًا مقفلًا متى تعلم ما فيه؟ عندما تفتحه، يصير إيضاح بعد الإبهام بعد الفتح. من الناحية البيانية إيضاح بعد الإبهام في الأمر وإيضاح بعد الإبهام في المسألة. ثالثًا: - القذيفة في اللغة شيء يُرمى به فكان موسى في سورة طه ﴿اقْذِفِيهِ﴾ قذيفة رمي بها فرعون قُذِفت في البحر فأغرقته، ولذلك لما نلاحظ العقوبة التي ذكرها متناسبة ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ فكان قذف أبلغ في التعبير كأن موسى هو الكبسولة والتابوت هو القذيفة فقذف بها فرعون فأهلكته، بينما في القصص قال في خاتمة فرعون (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (٤٠)) ألقيناهم لكن بمهانة (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (٧)) كلها إلقاء. * الفرق بين البحر واليم ودلالة استعمالهما في قصة موسى عليه السلام: - من حيث اللغة: اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون أنها عبرانية وسريانية وأكادية، وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية، اليم يستعمل للماء الكثير يستعمل للنهر الكبير المتسع ويستعمل للبحر، ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق والعرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة، أما البحر فوردت عامة ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ . - من حيث الاستعمال: - القرآن الكريم لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف أوالعقوبة ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾ (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (١٣٦) الأعراف) ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ لم يقل البحر (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (٤٠) القصص) عقوبة ولم يستعملها في مقام النجاة. - البحر عامة قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة، واستعملها في النِعم (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (٦٣) النمل) في نجاة بني إسرائيل استعمل البحر (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (٥٠) البقرة) (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧) طه) (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (٦٣) الشعراء) . * مع موسى عليه السلام قال تعالى ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ ومع الرسول صلى الله عليه وسلم (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا..(٤٨)الطور) : الكلام في موسى عليه السلام على ولادته ونشأته في مرحلة طفولته ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ أي ينشئك بالصورة التي يريدها ابتداء ويهيأ المكان الذي يريده، أما مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأربعين يحمل همّ الرسالة كيف يقال له تصنع على عيني؟ وإنما هو يحتاج إلى رعاية الآن للتبليغ ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ يعني يحفظك، كما قال ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا(14)﴾ السفينة تجري برعايتنا وحفظنا.

ﵟ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﵞ سورة طه - 39


Icon