الوقفات التدبرية

آية (٦٤) : (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ...

آية (٦٤) : (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) * ﴿الْحَمِيدُ﴾ هو المحمود في غِناه، فأحيانًا يكون الشخص محمودًا في فقره ولا يُحمَد في غناه لأنه قد يتغير وكثير من الناس تغيروا لما صاروا أصحاب أموال أما الله سبحانه وتعالى فهو المحمود في غناه وفي كل شيء ولذلك كثيرًا ما يجمع الغني والحميد في القرآن. * الفرق بين (مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) و (مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) : الذي يتحكم في الاستطراد والتفصيل والإيجاز هو الغرض وما يحتاجه المخاطَب، فإذا أراد ربنا أن يفصل في الأمر يأتي بـ ﴿ما﴾، وقد يكون التوسع لغرض التوكيد أحيانًا، ففي الحج (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤)) بينما في لقمان (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)) لما كان القصد في الحج هو بيان أن الغنى أكثر فصّل وجاء بـ ﴿ما﴾ وأكّد بـ إنّ واللام وجاء بالواو فهذا من جملة غِناه، لو ذهب هذا فإن الله هو الغني الحميد، بينما في لقمان دلّ المُلك على غناه لكن لم يقل من جملة ما يملك. * فى الحج ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ و في لقمان ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ وفى الحديد ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ : هو الغني الحميد فيها حصر وتوكيد، إن الله لهو الغني الحميد فيها توكيد أكثر. في لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)) لم يعرّف ولم يأت بـ ﴿هو﴾، أكّد بـ ﴿إنّ﴾ فقط، هنا لم يذكر له ملك، الغني في عُرف الخَلق هو الذي يملك هو الغني لكنه لم يذكر ملك. في لقمان (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)) هذه فيها ملك إن الله تعالى ليس غنيًا وإنما هو الغني، كل ما في الأرض وكل ما في السموات ملكه وهذه ليست كالآية السابقة، ﴿هُوَ﴾ هنا ضمير فصل يفيد الحصر هو الغني حصرًا في الحقيقة لا غني سواه أفادها ضمير الفصل والتعريف وهنا يفيد الزيادة في التوكيد. هذه فيها حصر أكثر وآكد. فى الحديد (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)) قال قبلها ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ﴾ الله تعالى هو الذي آتاكم أيها الخلق الأغنياء فإذن الله هو الغني الحميد وليست مثل آية لقمان (۱٢) الذي لم يذكر معه شيء، فلما آتى الخلق ما عندهم أصبحا ليسا بمنزلة واحدة، لكن هنا توكيدها نظير ما جاء في لقمان (٢٤) . في الحج ذكر ما هو أكثر وآكد فقال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤)) كرّر ﴿ما﴾ للتوكيد وأكّد بإن وضمير الفصل واللام، وجاء بالواو نقول فلان يملك مائة دار ومائة بستان وفلان يملك مائة دار ومائة بستان وإنه غني. الأول مصدر غناه مائة دار ومائة بستان أما الثاني فهو يملك مائة دار ومائة بستان وهي من جملة ما يملك ولو ذهبت يبقى غنيًا، هذا استئناف غنى جديد، فالواو تعطف جملة على جملة والغرض البلاغي منها الغنى المطلق. إذن أولاً كرر ﴿ما﴾ والتكرار يفيد التوكيد ثم جاء بالواو الذي دلنا على أنها من جملة ما يملك. جاءت بثلاث صيغ وكأنه يترقى بالغنى إلى أن وصل مرحلة الغنى لله تعالى.

ﵟ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﵞ سورة الحج - 64


Icon