الوقفات التدبرية

آية (١٢٣) : (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ...

آية (١٢٣) : (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) * الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (٣٦) البقرة) و(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (١٢٣) طه) : إذا قرأنا الآيات نجد في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه ﴿وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36)﴾ في طه الخطاب لآدم (لا تظمأ، فوسوس إليه، فتشقى، فعصى آدم ربه) فكان الكلام في طه ﴿اهبطا﴾ لآدم وإبليس وحواء تابعة ،إذن اهبطوا في البقرة أي آدم وحواء وإبليس. * قال تعالى في سورة طه ﴿قال اهبطا﴾ بضمير الغائب وفي الأعراف ﴿قَالَ اهْبِطُوا﴾ وفي البقرة يقول ﴿قلنا اهبطوا﴾ بضمير المتكلم : الموقف ليس واحدًا، لو نقرأ النص تتضح المسألة : في سورة طه الكلام أصلاً في الغائب قال ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى(122)﴾ ما قال ثم اجتبيته ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا (120)﴾ السياق كله في الغائب . في سورة الأعراف ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾ غائب ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ﴾. في سورة البقرة قال ﴿وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ ضمير المتكلم (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) متكلم، لما كان السياق في الغيبة قال ﴿قال﴾ بالغائب ولما كان السياق في المتكلم قال ﴿قلنا﴾ . * (قال تعالى (فَأَزَلَّهُمَا) – ﴿فَأَخْرَجَهُمَا﴾ – ﴿كَانَا﴾ بالمثنى ثم ذكر آدم عند التلقّي بالمفرد دون حواء ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ﴾ - ﴿رَّبِّهِ﴾ – ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ : النبي هو الذي أُنزل عليه هو الذي يتلقى وليس زوجه والتبليغ أصلًا كان لآدم ﴿وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ﴾ ﴿اسْجُدُوا لِآَدَمَ﴾ الكلام كان مع آدم والسياق هكذا قال ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ لأن آدم هو النبي المنوط به التواصل مع الله سبحانه وتعالى بالوحي ، هذا السياق وهذا ليس تحقيراً لحواء . لو ذكرنا في سورة طه ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ لم يذكر حواء، السياق هكذا. *خاطب تعالى آدم لوحده ومرة خاطب آدم وحواء ، كيف نفهم الصيغ المتعددة في الخطاب؟ من الذي قال أن الخطاب مرة واحدة؟ (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (٣٥) البقرة) (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) طه) هذا الخطاب غير ذاك الخطاب ، هذا وقت متغير. * فتح ياء المتكلم وجوبًا لها مواطن وجوب الفتح وما عدا ذلك جواز الفتح والكسر: - بعد الألف المقصورة الياء يجب أن تكون مفتوحة ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ . - بعد المنقوص، أنت منجيَ من عذاب الله؟ الياء لا بد أن تُفتح بعد المنقوص. - بعد المثنى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (٢٨) نوح). - بعد جمع المذكر السالم (وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (٢٢) إبراهيم) وكما في الحديث "أومخرجيَ هم؟" . * الفرق بين قوله تعالى في سورة البقرة ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ و﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ﴾ في طه : تَبِع زيدٌ عمرًا مر به فمضى معه ، يعني مررت في طريقك فرأيت شخصًا واقفًا ما أن حاذيته حتى صار خلفك تمامًا انقياد كامل ، التُبُع باللغة العربية الظل أنت حيث ما تسير صار ظلك معك يتْبعك- بتسكين التاء- تمامًا ولا يتّبعك- بتشديد التاء- ما الفرق؟ يتْبعك تلقائيًا محاذاة كظلِّك بشكل مباشر أما يتّبعك- بتشديد التاء- فيها جهود وفيها مراحل وفيها تلكؤ وفيها مشقات وفيها أشياء كثيرة تقول أنا تتبعت المسألة حتى حللتها أو وقفت على سرها ، تتبعت مرة مرتين ثلاث أربع ليل نهار هذا اتّبَع، معنى ذلك أن كلمة تَبِع إما التوحيد وإما الشرك ، فرب العالمين حين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) يعني التوحيد أرسلت لكم نبياً يقول اتركوا الأصنام لا إله إلا الله هذا تَبِع على طول لا يتردد . فلما قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ) هذه الشريعة أرسلت لكم شريعة حاولوا كل واحد يطبق منها ما يستطيع على قدر جهده وعلمه ونشاطه وهمته هذا إتّباع . تبِع كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله ، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! .

ﵟ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﵞ سورة طه - 123


Icon