الوقفات التدبرية

آية (١٢٤) : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً...

آية (١٢٤) : ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ * لما عبّر عن المؤمن الذي عمل صالحًا قال حياة طيبة بينما لما عبّر عمن أعرض عن ذكر الله تعالى قال معيشة ضنكًا: - من حيث اللغة : - المعيشة هي الحياة المختصة بالحيوان، لما يُعاش به من طعام وشراب ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ أي ما تأكلون. - الحياة تستعمل للأعمّ نقول نبات حيّ لا نقول عائش وتستعمل في صفات الله سبحانه وتعالى فنقول الله حيّ، وتستعمل للحياة المعنوية المقابل للضلال (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ). - من حيث السياق : في طه لما ذكر الجنة والخطاب لآدم قال (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)) يعني أسباب المعيشة أكل وشرب ولباس، فناسب ذكر المعيشة ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ سيتعب حتى يحصّل المعيشة. وقسم يقول المعيشة الضنك هي حياة القبر ، وقسم قالوا المعيشة الضنك هي الحرص على الدنيا والخوف من فواتها فالذي يعرض عن ذكر الله يكون متعلق بالدنيا ويخشى أن تزول مهما كان في نعمة يفكر في زوالها ولا يستمتع بها فيعيش في ضنك بمعنى ضيق. في النحل لم يذكر فيها أسباب المعيشة وإنما ذكر الإيمان والعمل الصالح (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (٩٧)) قسم قالوا هي حياة الجنة وقسم قالوا هي الرضا بقضاء الله وقدره بنفس راضية مطمئنة وكأن هذا شرط للحياة الطيبة. * الفرق بين الإعراض عن ذكر الله والإعراض عن الآيات: - من حيث المعنى: الذكر أعمّ من الآيات قد يكون العبادة أو الوحي الذي جاء به الرسول (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (١٢٤) طه) (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (١٧) الجن)، أما الآيات فهي ليست القرآن كله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (٥٧) الكهف) لو هنالك ثلاث آيات فهي جمع، فالآيات جزء من الذكر. - من حيث الاستعمال: هل يصح أن تذكر العقوبة واحدة مع الإعراض عن الكل والإعراض عن الجزء؟ لا. لذلك لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد. في طه فصل في العذاب (وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ... وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ... وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) . في الجن (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)) . في الكهف لم يقل في الآيات مثل هذا التهديد (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ... (٥٧)) لم يذكر العقوبة. في السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (٢٢)) لم يذكر نوع هذا الإنتقام.

ﵟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﵞ سورة طه - 124


Icon