الوقفات التدبرية

آية (٩٧) : (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ...

آية (٩٧) : ﴿وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ * وردت كلمة المهتد بدون ياء فى سورة الاسراء والمهتدى فى سورة الأعراف: أولاً خط المصحف لا يُقاس عليه، لكن مع هذا فهناك أمور أُخرى. ثانياً المهتدي أطول من المهتدِ ولما يكون أطول يكون فيه هداية أكثر: في سورة الأعراف (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي (١٧٨))قال قبلها (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا (١٧٥)) هذا كان مهتدياً أول مرة لكن كان يحتاج إلى قدر أكبر من الهداية حتى لا ينسلخ لذلك عقّب عليها بـ ﴿الْمُهْتَدِي﴾. في سورة الإسراء ﴿مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ هؤلاء من أصحاب النار. ما الذي ينجي من الخلود في النار؟ هداية بسيطة (شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقسم من الفروض. أما ذاك فكان يحتاج إلى هداية كبيرة حتى لا ينسلخ. ثالثاً هناك ما نسميه السمة التعبيرية للسورة فالإسراء تردد فيها لفظ الهداية ٨ مرات بينما في الأعراف ١٧ مرة فزاد الياء. * ﴿عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ قدّم العُمي بينما في البقرة وردت (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ (١٨)) قدّم الصم، والبُكم متوسطة في كلتا الآيتين: في آية البقرة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (١٨)) في سياق آية البقرة قال عنهم قبلها (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ (٧)) قدّم السمع على البصر وهنا قدّم السمع على البصر في الآية ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾. في سورة الإسراء : - الأصل في الهداية هداية الطريق مثل ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ وكذلك الضلال مثل (فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (١) الممتحنة) (فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً (٤٨) الإسراء) ضلال الطريق، الأعمى كيف يهتدي إلى الطريق؟ فلما ذكر الهداية والضلال ذكر ما هو أبعد عن الهداية وهو العُمي لا يستطيعون أن يهتدوا للطريق. - قال بعدها (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ .. (٩٩)) فكما عموا عن خلق السموات والأرض فلم يروها عموا في الآخرة. - السياق قبل هذه الاية ذكر أموراً تتعلق بالنظر والرؤية قال (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ (٩٣)) كيف يعرفونها إلا بالمشاهدة؟ كيف تقرأ الكتاب؟ بالعين واللسان فقال ﴿عُمْيًا وَبُكْمًا﴾ النظر هو أنسب شيء للقرآءة ونطق الكلمة، ما المناسب لعدمها؟ العمى والبكم فقدّم وقال ﴿عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾. * دلالة حرف العطف فى الآية : في سياق آية البقرة ذكر آيات تتكلم عن المنافقين قال ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ هم جماعة واحدة فلم يذكر ﴿واو﴾. في آية الإسراء تكلم عنهم في آية واحدة فقط قال ﴿عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ تقول هؤلاء شعراء كُتّاب فقهاء هم جماعة واحدة، أما هؤلاء شعراء وكُتّاب وفقهاء تحتمل أنهم أكثر من جماعة.وقد تكون فيها نوع من الإهتمام مثل "خرج الطلاب فاهمين فرحين شاكرين" هذه حالهم، "خرج الطلاب فاهمين وشاكرين ومسرورين" لما يكون بالعطف كأنه تتكون جملاً جديدة فيها نوع من الإهتمام. نية تكرار العامل يعني نحشرهم عمياً ونحشرهم صماً ونحشرهم بكماً فيكون فيها نوع من التمييز لتركيز هذا المعنى. السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٥٢)‏) ختمت الآية بصفات البشر

ﵟ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﵞ سورة الإسراء - 97


Icon